قبل ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني الماضي السلمية التي قام بها شباب مصر ضد حكم الرئيس حسني مبارك كانت هذه الدولة العربية الكبرى تعاني من فساد غير مسبوق ومن مراكز قوى تتحكم بمقدرات الشعب المصري وخيراته إلى درجة أن بعض المتنفذين القريبين من النظام كانوا يصولون ويجولون ويمارسون أبشع أنواع الفساد تحت سمع السلطة وبصرها في الوقت الذي كان فيه الشعب المصري يعاني من نسبة كبيرة جدا من الفقر والحرمان والبطالة .

بعد الإطاحة بحكم الرئيس حسني مبارك تولى المجلس العسكري التابع للقوات المسلحة المصرية الحكم بشكل مؤقت لحين وضع دستور جديد وإحالة رؤوس الفساد إلى المحاكم لمحاكمتهم وعلى رأسهم الرئيس مبارك وإبنيه علاء وجمال لكن هذا المجلس كان وما زال بطيئا في إجراءات المحاكمات وفي إتخاذ القررات الحاسمة ومحاكمة الرئيس مبارك ورموز حكمه ورجال الشرطة الذين قتلوا حوالي ألف مواطن مصري من المتظاهرين بدم بارد كما أن الأمن أصبح مفقودا والفوضى تعم معظم المدن المصرية حيث يجد اللصوص وقطاع الطرق والمجرمون أرضية جيدة في غياب الأمن لممارسة السرقات والقتل والإجرام مما حدا بشباب الثورة إلى إعادة التظاهر والإعتصام في ميدان التحرير بالقاهرة وفي الميادين العامة في باقي المدن المصرية .

شباب الثورة المصريون يعترفون بأن القوات المسلحة المصرية حمتهم إلى حد ما من بطش رجال الأجهزة الأمنية لكن المجلس العسكري لم يلب طموحات هذه الثورة حتى الآن ولم يقم بإجراءات حقيقية على الأرض للإنتقال إلى مرحلة ما بعد الثورة كما أن بعض رموز الحكم السابق ما زالوا يشغلون نفس مراكزهم السابقة وهذا من الأسباب التي حدت بهؤلاء الشباب إلى معاودة التظاهر والإعتصام .

شباب الثورة يهددون الآن بإتخاذ إجراءات تصعيدية إذا لم يقم المجلس العسكري بالإجراءات المطلوبة وبسرعة وكما ورد في وكالات الأنباء فإن هؤلاء الشباب يهددون بإغلاق بعض الطرق وإغلاق قناة السويس لإحراج المجلس العسكري .

المجلس العسكري من جانبه هدد في بيان أصدره يوم الثلاثاء الماضي بأنه لن يسمح لأي كان بتخريب الحياة العامة وبأنه سيتخذ جميع الإجراءات الكفيلة بالمحافظة على الأمن والإستقرار في مصر كما أنه سيشكل لجنة لإعداد دستور جديد لمصر .

يتساءل بعض المراقبين السياسيين عن الأسباب التي جعلت الإقتصاد المصري يتردى إلى هذه الدرجة مع أن هذا البلد العربي الكبير يمتلك إمكانات هائلة فهو ينتج البترول وينتج الغاز الطبيعي ولديه إمكانات زراعية هائلة لأن لديه أراض خصبة ولديه نهر النيل العظيم وقناة السويس ويقارن هؤلاء المراقبون بين مصر وبين الصين فالصين إستقلت عام 1949 بعد أن حكمتها بريطانيا لسنوات طويلة وكانت نسبة كبيرة من الشعب الصيني يدمنون على المخدرات ويعانون من فقر مدقع ومن تفشي الأمراض لكن الصين أصبحت الآن دولة عظمى ودولة نووية وفضائية ولديها إقتصاد عملاق يعتبر من أقوى الإقتصادات في العالم ونسبة نمو سنوية غير مسبوقة وصناعاتها الثقيلة والخفيفة تجتاح العالم وميزانها التجاري يميل لصالحها مع معظم دول العالم .

أما مصر فيفترض المراقبون السياسيون أنها إستقلت عام 1952 وهو عام الثورة التي قام بها جمال عبد الناصر ورفاقه ضد نظام حكم الملك فاروق الفاسد لكن مع الأسف الشديد فما زالت هذه الدولة فقيرة جدا وتعيش على المساعدات التي تقدمها لها الولايات المتحدة الأميركية ونسبة الفقر في هذا البلد الشقيق عالية جدا وهنالك الملايين من أبناء الشعب المصري يعملون في الخارج بسبب الأوضاع المعيشية المتردية هناك وهذا بالطبع سببه كله الفساد ومراكز القوى والحكم الفاسد .

ما نتمناه جميعا أن تتجاوز هذه الدولة العربية العزيزة علينا جميعا محنتها وأن تنتقل بأمان إلى بر الأمان وأن تحقق ثورة شباب الخامس والعشرين من يناير أهدافها النبيلة .


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   نزيه القسوس   جريدة الدستور