عندما قرأت باكورة الشاعرة الدكتورة روفند اليوسف حديثة النشر فتلمست القصيدة لديها متنهدة تعصف وتحلم لكنها تحتضر في كثير من الأحيان وهي تبحث عن الوداع أحيانا أخرى .
الشاعرعادة ينقب عن مفردات متمردة ليكحل قصيدته ويفضفض بها عن تبدلاته وخلجاته حتى تتألب الكلمة في ملكوته ويخرج عن نواميس الأرصفة , وما القصيدة لدى الدكتورة إلا هذا التراكم المألوف من الكتابة الواضحة والصريحة .
في مجموعتها الموسومة بأوردة الظلام توج فيها الأستاذ إسماعيل كوسة بتوطئة أعرب فيها (وهل سيكون الشاعر بمستوى المسؤولية في هذا الزمن العنكبوتي فعلى الشاعر أن يكون مدركا تمام الإدراك لهذه الملامسة الخطرة وإلا سيكون مشروعه الفكري مرتبكاً ), إلا أن الشاعرة في قصيدتها المعنونة بأوردة الظلام المزخرفة بمدلولاتها الانفعالية والمتفاعلة مع الذات المبعثرة ,وتفكيك طلاسمها في تحريض الكلمة على الراهن المألوف عبر قصائدها المتبعثرة التي تجاوزت هذا الزمن العنكبوتي فتقول :
بين مأساة الحياة وترانيم الخيال ..
بأناشيد الحب والحزن والخلود ...
عندما صحوت من سكرتي ..
كانت أوردة الظلام ..
قد غمرت الوجود بأمواجها القاتمة ..
فقلت في سري ..
دعني سيدي أدمدم الليل العميق ..
رؤيتها الشعرية مرهفة, أخاذة, حالمة ,تحاكي اللب, وتدندن في كهنوت الروح بالكلمات فتكشف لنا حلمها ,ومعاناتها كما هي القصيدة ذاتها المعنونة بـ ( حلم الأمومة ) . تمسكت بأهداب الكلمات من خلال رؤيتها القصدية و ترسم لنا لوحة رومانسية .
وجوه شاحبة ..
شفاه مرتجفة ..
عيون حزينة ..
فيه بصيص من الأمل
ولعل خضوعها الصامت إلا نظرة مأساوية ذات إحساس مباشر من خلال مفرداتها المتسكعة في شوارع الزمن المنسي عندما يتناثر دم الوطن على الطاولات )
فقلت له :
لتكن هذه الصفحة شاهدة .........
شاهدة موت جديد ........
تضاف إلى ألاف العناوين ....
لأني لا أراهم يبكون عندما تشتكي الأقلام ...
أو تداس الكرامة ..؟!
عندما تلقي بظلالها القوس قزحية على منافسة الكلمة الخارجة عن سلطتها للقصيدة النثرية المعاصرة ,المعولمة, بطابعها الحداثوي , الممهورة , بطابعها الخاص, لتنافس بها القصيدة التقليدية في هامشها المشاغب ,وهي تبحث كي تقفز فوق الترهات.
هم الشاعرة هنا أن تتجاوز مأساتها ,وهي تبحث عن أحلام وردية مزخرفة بولادة عالم جديد غير عالمها المتناثر الغير متوازن ذو الطابع القهري , لان الكلمة الصريحة الجريئة تصطدم بالراهن الاجتماعي بتقاليده وعاداته حتى ولو كان هذا المجتمع مؤمن بالديمقراطية والتعددية لكون شاعرتنا تهذي في الكلمات وتكسو بروحها الطفولي المتقدة دائما .
في مقدمتها نلاحظ ذات الملاحظة التي ذكرها الأستاذ إسماعيل كوسة تأثير الثقافة المحيطة عليها عندما ذكر بأنها كاتبة مثقفة تكتنز في ذاتها الكردية المكتوبة عربياً حتى تشعبت لديها محددات خاصة لان لكل ثقافة طقوسها وما اقتحامها لملكوت الكلمة سوى المغامرة , وتشابك الصور,والعبور بها بين مشاعرالمفردات المخبئة والمتشابكة ألا لإيصال التفاؤل وإنارة الخفي المتعثر وهي تدعو الأخر لقراءتها .
عندما قالت : هذيان العشق .
صراع وألم .
وعشق في أعماق المجروحة بسهام الغربة ..
قال وجدت ذاتي الليلة فيك وكأنك أحييت في دواخلي .......
وجدت فيها أنوثة قابلة للانفجار .........
وكلمات تائها تبحث عن الوطن ...........
إن حرمان الشاعرة من الابتسامة والعيش باستقلالية في مجتمعها تجبرها بالتنكر وراء شاعريتها فتنطق بالإشارات لان ليست للقصيدة فضاء وافق وما ركوبها لحصانها الجامح سوى غرقها في مأساتها وفقدانها لذاكرتها المليئة بالماسي ومراهنتها على أن تتوالد لديها يوما كلمات جديدة أكثر جمالية وفعالية وخلق رموز خاصة بها لنقل لغتها من حالة الوضوح إلى حالة الإشارة كما يقول أدونيس
                 
أوردة الظلام مجموعة شعرية للشاعرة الدكتورة روفند اليوسف – إصدار خاص 2010 بيروت
أيميل الدكتورة rufend@hotmail.com
 

المراجع

almothaqaf

التصانيف

شعر  شعراء  أدب   مقالة