تردد الأعلام من أسماء أشخاص أو أماكن في الشعر ظاهرة موجودة عند جميع الشعراء، وفي كل اللغات؛ فالشعر يعبر عن نبض الشاعر بما يتأثر به من أحداث تكون غالباً مقترنة بمكان الحدث أو زمانه، وبالأشخاص الذين صنعوا ذلك الحدث أو كان لهم دور فيه، ومن ثم فظهور عدد من الأعلام التركية في الشعر العربي لا يعد ظاهرة غريبة؛ لقوة العلاقة التي ربطت بين العرب والأتراك فترة قاربت الألف عام، حدثت فيها أحداث جسام.
غير أن شعراء العربية في القرن العشرين كان تناولهم للأعلام التركية إما تغنياً بأمجاد الماضي من وحدة للمسلمين تحت راية الخلافة، وإما استلهاماً لتلك الأعلام في صورة رمزية من خلال أغراض أخرى كالغزل مثلا، وإما تأثراً بالطبيعة التركية، وفي كل هذه الأنماط نلحظ توظيفاً مختلفاً لهذه الأعلام كماً وكيفاً؛ فالشخصيات العثمانية كانت أكثر تردداً في الشعر العربي بصفة عامة؛ نظراً لما ارتبط بها من أحداث كانت نقطة تحول في التاريخ وسبب تغير في جغرافية المكان، وأكثر هذه الشخصيات ذكراً كان السلطان محمد الفاتح الذي ارتبط اسمه بفتح القسطنطينية سنة758هـ؛ مما جعل كل الشعراء يمدحونه على مختلف أطيافهم، والسلطان عبد الحميد الذي تضاربت فيه الأقوال في الشعر والنثر إلى يومنا هذا ما بين مادح وقادح. وأما باقي الشخصيات فإنها تأتي في سياقات مختلفة بحيث لا تجد مساحة كبيرة من الشعر كالتي أفردت لهذين السلطانين. ولكن هذه الشخصيات هي كمال أتاتورك وأنور وشوكت ونيازي وطلعت وجاويد، وهذه الشخصيات نالت من القدح أكثر مما نالت من المدح؛ لأن هذه الشخصيات هي التي أسست جمعية الاتحاد والترقي التي رعتها ألمانيا وكانت سببا في الانقلاب العثماني، وقد كان لها تأثير قوي ظنت الأمة ومنهم الشعراء بأنهم يعملون لصالح الأمة فانبرى بعضهم مادحا كشوقي وحافظ كما أسلفنا في مقالين سابقين ولكن لما ظهرت حقيقتهم صب الشعراء جام غضبهم على هذه الشخصيات.
فبعد أن تورط العثمانيون في الحرب العالمية الأولى وهزمت تركيا وبات جنرالات الجيش الذين حاولوا احتواء أتاتورك؛ لطموحه في القفز عليهم فضموه لجمعية الاتحاد والترقي؛ ليكون تحت عينهم؛ فهم يدركون جيدا أن طموحه ليس له سقف ويعبر عن ذلك انور باشا بقوله: "إذا ترقى إلى رتبة باشا فإنه يرغب أن يكون سلطاناً، وإذا أصبح سلطاناً فإنه يرغب أن يكون إلهاً".
لكن أتاتورك ربيب الغرب الذين حاولوا في هذه الفترة تحسين صورته في العالم الإسلامي وأنه الفاتح العظيم فكانوا يجعلونه ينتصر في بعض المعارك ويعلنون أنه يبعث للدولة العثمانية غنائم القتال، ثم القبض على أتاتورك والزج به في السجن ثم ميل الإنجليز للسلطان عبد الحميد فظهر للناس أن السلطان عبد الحميد متحالفا مع الإنجليز ضد المناضل مصطفى كمال أتاتورك، وهذه الصورة خدع بها العالم الإسلامي وابتلع الطعم حتى قال شوقي مادحا أتاتورك (يا خالد الترك جدد خالد العرب) وقد انقلب عليه شوقي لما علم حقيقة أمره فسبه في قصيدة اشرنا إليها في مقال سابق.
لقد تسلق أتاتورك على أعدائه الذين تحالف معهم تحت لواء الاتحاد والترقي، وانسحب من المعركة حتى تهزم تركيا ولا ينسب النصر لأنور باشا وزير الحربية؛ فهزموا وكانت مرارة الهزيمة دافعا لكثير من الشعراء لهجاء هذه الشخصيات جميعا
مع رفضهم أن يمنح لقب باشا حتى لا يطمح في تولي وزارة الدفاع ضحى بهم أتاتورك ليكونوا سلما يقفز من خلاله على عرش الخلافة العثمانية فيزيله عن مكانه يأخذ الشعراء في وصف هذا الحدث الكبير، فيأتي إيليا أبي ماضي ليقول لهؤلاء الجنرالات:
وباتَ ((أنورُ)) في ((يلديز)) مُختبئاً
لأِمَّهِ وأبيهِ الثُّكلُ والهبلُ
......
(( جاويدُ )) فوقَ فِراشِ الذُّلَّ مُضطجعٌ
و (( طلعتٌ )) برداءِ الخوفِ مُشتملُ
فإيليا أبي ماضي مدح السلطان محمد الفاتح دوما، وأفرد له قصيدة منها بعنوان إلى الفاتح يذكر فيها أن السلطان محمد الفاتح أنقذ الأمة كلها وأنه أعظم الفاتحين فيقول:
لأنّك أشجع الأبطال طراً
وأعظم قادة الدّنيا فتوحا
ثم يقول له مقارنا بينه وبين خلاص المسيح:
فإن يكن المسيح فدى البرايا
فإنك أنت أنقذت المسيحا !
ولكن إيليا أبي ماضي صب جام غضبه على بعض الشخصيات التركية التي كانت سببا في زلزلة كيان الأمة؛ مما دفعته كغيره من الشعراء يكرهون الترك والحكم العثماني، فمثلا يقول:
وباتَ ((أنورُ)) في ((يلديز)) مُختبئاً
لأِمَّهِ وأبيهِ الثُّكلُ والهبلُ
المراجع
odabasham.net
التصانيف
شعر شعراء أدب مجتمع