يدفعني الانشغال بقضايا الشعر المغربي وفضول القراءة إلى تصفح بعض ما تجود به الشبكة العنكبوتية من مواضيع ومقالات جديدة. وقد قرأت في هذا الصدد مقالة للشاعر والناقد ميلود لقاح عن ديوان "لن أر قص مع الذئب" للشاعر يحيى عمارة. وقد ألقت بي هذه المقالة في دهاليز حيرة غير المصدق، واتهمت نفسي الأمارة بالنقد، واتهمت صاحب المقالة بالتجني على الشاعر أو أنه بصدد قراءة لديوان افتراضي اختلقه ـ أي
ميلود لقاح ـ ليتحدث عن أزمة محتملة. ومن الحيرة إلى القراءة عبرت صفحات الكتاب الذي اقتنيته من أحد الأكشاك قبل أن يصادره ويجمعه يحيى عمارة بعد مقالة ميلود لقاح ـ كما أخبرني صاحب الكشك نفسه هذا الأسبوع ـ وقد أبهرتني أناقته، لكنّ ما قرأته أذهلني لفرط رداءته وضعف لغته وإبهامه الذي لا يتكئ على مرجعية فلسفية أو رؤيا محكمة، وإنما جاءت نصوصه مجرد رصف للعبارات والكلمات بلصاق من الأخطاء، والتي أجزم أن المطبعة بريئة منها براءة الذئب من دم يوسف وبراءة الذئاب عموما من الرقص. فالشعراء الكبار ـ كمحمد علي الرباوي وحسن الأمراني ومحمد بنعمارة ومحمد لقاح ومنيب البوريمي و أحمد مفدي ومحمد السرغيني وغيرهم ـ في زمن الطبع الرديء والبسيط المتواضع كانوا يسارعون إلى نفي تهمة الخطأ قبل خروج الكتاب، فيتجشمون عناء البحث عن الأخطاء المطبعية، ووضعها في صفحة إضافية في آخر الكتاب تتضمن: الصفحة والسطر والخطأ والصواب. أما الآن فلا حاجة لذلك مع الطبع الإلكتروني وسهولة التصحيح. بل إن لا أحد عاقلا أصبح يعطي مخطوطا للمطبعة، وإنما قرصا يتضمن عمله كما يحب ويرضى لغة وإخراجا، بل حتى الضعيف في النحو يجد في حاسوبه ما يساعده على تجاوز ما قد يقع من خطأ أو سهو، فلا يضطر إلى "سجدة السهو" في آخر الكتاب، كما كان يفعل شعراء الستينات والسبعينات. وأظن أن الشاعر ميلود لقاح علم وقدّر انشغالات كاتبنا الكبير وشاعرنا الخطير يحيى عمارة، فتجشم عناء جمعها والتحقق منها، لكن بدل أن يُشكر على عمله وجدناه يُسب في المواقع، لذلك نقترح على الشاعر الكبير أن يلحق هذه المقالة بديوانه الشعري تحت مسمى " تصويبات".
أجزم إذن أن الأخطاء التي أشار إليها ميلود لقاح موجودة فعلا في الكتاب، وليست اختلاقا. بل وقد وقفت على أخطاء أخرى عجيبة لن أعلن عنها، لأني أنوي الإعلان لاحقا عن مسابقة لمن استخلصها من الديوان، وأعطي الفائز معجما وكتاب نحو ليشفى من عدوى محتملة قد تصيبه بعد قراءته المتأنية لهذا الكتاب/الكارثة، والذي أستحيي من أن أسميه ديوانا. إن هذه الأخطاء ناتجة عن طاووسية وغرور بعض الأقلام ممن يأنف من استشارة الزملاء في لفظ أو كلمة و يعتبر نفسه شاعرا "واعرا" لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وقد ابتلينا في مشهدنا الثقافي بهم وهم كثر. وفي هذا عزاء ليحيى عمارة لأن الذئب الذي يرفض أن يرقص معه لن يأكله، فهو ليس وحده في هذه الكارثة ولأن "الذئب لا يأكل من الغنم القاصية" كما جاء في الحديث النبوي الشريف. بل ومن دلائل هذا الغرور أنه بدل أن " يحشم على عراضو" يعلق على ما يكتبه أسياده من شعر ونقد في المواقع.
ولعل ما يضحك ـ وشر البلية ما يضحك ـ أن يحيى عمارة يكذب على نفسه ويوهمها أنه يكتب للمستقبل وأنه يؤسس لتجربة حداثية، وأن الصراع الدائر هو بين التقليديين والحداثيين الذين يتزعمهم. وقد أخبرني أحد "أصدقائه" أنه يتوهم ذلك ويصرح به أينما حل وارتحل، متوعدا أنه سينصر الحداثة ويقضي على التقليديين، بل إني قرأت ذلك في تعليقه على كتاب رشيد بلمقدم حيث اعتبره جزءا من مخطط جهنمي (هكذا؟؟؟). ولا أعرف كيف سيفعل "جورج بوش" الوجدي يحيى عمارة في رد هذا العدوان "الصليبي" الغاشم الذي يستهدف الثقافة والحضارة التي يرعاها ويسهر على حمايتها في وجدة، وهو لم يستطع أن يرد على ميلود لقاح ويدافع عن نفسه. وقد سمعت ـ والعهدة على من أخبرني بذلك ـ أنه رد على الشاعر عبد المعطي حجازي عندما أصدر كتابه "القصيدة الخرساء" ودافع عن قصيدة النثر التي ينتقص حجازي من قدرها.
إن قصيدة النثر مفضلة عند يحيى عمارة ـ وحق لها أن تكون كذلك ـ لأنها تستر عجزه عن إقامة الوزن. ولكن أنصحه بأن يبحث عن شكل جديد يستر ضعفه في اللغة، عن قصيدة تبيح نصب الفاعل ولا تبالي بشكل الهمزة وتقبل أن ينسب المذكر للمؤنث أو يوصف بنعته، وهلم شرا...
بعض المتملقين يصفون عمارة بالشاعر الكبير المجدد والمؤسس، بل منهم من اعتبره رائد التجريد والرمزية في الشعر بالجهة الشرقية وقرنه بكبار شعراء العالم، أو بعض المنتفعين من صحبته الذين يضحكون منه في سرهم وهم متأكدون أنه لا يفقه في الشعر شيئا، ولكنهم يقولون في سرهم ما قاله أصحاب مسيلمة:" إنا والله لنعلم أنك كذّاب، ولكن كذاب مضر خير لنا من صادق ربيعة".
إن يحيى عمارة نموذج لمجموعة من الطلبة والكسالى الذين عجزوا بعد حصولهم على الإجازة عن ولوج مركز تكوين المعلمين أو المركز التربوي الجهوي أو المدرسة العليا للأساتذة فحاربوا البطالة و الفراغ بالتردد على الكليات وعقد الصداقات والصفقات ثم التخرج بشهادة فارغة تمنحهم صفة التكبر والغرور. و أذكر هنا بيتا شعريا لشاعر "تقليدي"، وأعتذر من يحيى عمارة من هذا الاستشهاد لأن الشعراء الحداثيين الكبار أمثاله لديهم حساسية تجاه هؤلاء، ولا يحبون من يذكرهم بالشعر التقليدي، فله الشكر على الصبر والتحمل.
يقول هذا الشاعر عن الجامعة:
ودخلت فيها جاهلا متواضعا
و خرجت منها جاهلا مغرورا
ـ وفي رواية أخرى أنسب ( جاهلا دكتورا) و لن يتأثر الوزن و لا حرف الروي ـ
ليس هدفي من هذه الكلمة القصيرة ـ التي ستكون لها أختها إن لم يكف عن التطاول على الشعراء الحقيقيين ـ قلت: ليس هدفي الانتقاص من قدر يحيى عمارة ولا من أمثاله؛ لأن القاعدة النحوية تقول: "المصغَّر لا يصغر" ولكن هدفي أن أكشف بألم حقيقي عن المهازل التي وصلنا إليها في حركتنا الشعرية، والتي تبقى مع ذلك بخير. فالشعراء الجادون موجودون، رغم التهميش والحصار، و باقون رغم سيادة الغثاء والركاكة.
و مما يحز في النفس أن الديوان مهدى إلى محمود درويش الذي " تلاَّتْ به لْيَامْ " حتى أهدي إليه البعر والدقل ورديء القول. فلو كان حيا واطلع عليه لكان أحد أسباب وفاته، و إذا أسعفته يد حنون وشفي، فسيقول: " أنقذونا من هذا الحب القاسي" فلا أقسى عليه من أن يهدى إليه أردأ الكلام. و لتلا قوله تعالى: " يا يحيى خد الكتاب بقوة " أي بالدارجة المغربية: "سير أ يحيى أوليدي تقرا قبل ما تكتب الشعر".
أما عن اتحاد كتاب المغرب فأقول لميلود لقاح ولغيره من المستغربين: إن هذا الديوان نشر في حالة الفوضى والسيبة التي يعرفها الاتحاد؛ بمعنى هو بضاعة مهربة، وأمر دبر بليل قبل أن يستيقظ القوم. فهو كتاب لم ينشر في ظل الشرعية، و لم يفز بجائزة كعبد الدين حمروش أو الزبير خياط أو حسن مرصو أو أحمد بركات أو ياسين عدنان. و كان الأولى أن لا يصدر ضمن منشورات اتحاد كتاب المغرب بل عن نفايات"درب غلف"وأن يكتب على ظهره"MADE IN CHINE" حتى لا نشتري بضاعة مغشوشة. ولكن ـ للإنصاف ـ لا يخلو ديوان "لن أرقص مع الذئب من فائدة". وسأشرع مع تلاميذ السادسة ابتدائي في الاستفادة منه. وحتى لا أكون أنانيا أقترح عليكم هذا المشروع تعميما للفائدة. وهو أن يتحول الديوان من شعر إلى مسابقة، وأن يشطب الإهداء إلى محمود درويش ويعوض بعبارة: "تمارين لغوية" ويكتب تحتها: اكتشف الأخطاء "المقصودة" الواردة في هذا الكتاب وصححها معللا جوابك بالقاعدة المناسبة.
ملحوظة:
يُخبَر التلاميذ الأعزاء أنه بإمكانهم إجراء تقويم ذاتي. والحلول توجد آخر الكتاب، وتنشر مقالة ميلود لقاح في آخر الكتاب.
و بهذا تتحقق الفائدة ويزول الحرج وتصفَّى النفوس وتهدأ الأرواح ويسكت المتشاعرون عن النباح و الكلاب عن الكلام المباح.
لا زال هناك الكثير مما يقال ولكن أؤجله لمناسبة أخرى. وبالمناسبة هذا اسمي الحقيقي وليس اسما مستعارا. وسأصدر قريبا جدا عن دار نشر محترمة ديوانا شعريا عموديا أضع عليه اسمي وصورتي بكل فخر. انتظروني فأنا شاعر قادم.
وإلى ديوان آخر.
المراجع
odabasham.net
التصانيف
شعر شعراء أدب مجتمع