من الحقائق التي حملها إلينا التاريخ ، وسرت مسرى الأمثال قولهم " العرب أمة شاعرة " ، وكذلك قولهم " الشعر ديوان العرب " . ولا مبالغة في ذلك : فالشعر هو الذي حفظ تاريخهم ، وأيامهم ومسيرة حياتهم .
**************
 عزيزي القاريء بعد أن قدمنا حلقة عن البحر ، آن لنا أن نقدم حلقة من ديوان العرب عن " البحيرة " . وعلينا أن نلاحظ أن العرب في شعرهم قد يطلقون على البحيرة اسم " بركة " .
 ونبدأ بأبيات محمد بن صارة الشنتريني يصف بركة ضمت سلاحف ماء
لـله مسجورة في شكل ناظرة
فيها  سلاحف ألهاني تقامصها
تنافر الشط إلا حين يحضرها
 
من  الأزاهر أهداب لها وُطفُ
في مائها ولها من عرفج لحف
برد الشتاء فتستدني وتنصرف
**************
 وقال ابن حمديس يصف بركة قصر المتوكل بن أعلى الناس في أفريقيا ، وما حولها من تماثيل الأسود وهي تقذف الماء من أفواهها وقد ركزت على مؤخرتها :
وضـراغم سكنت عرين رياسةٍ
فـكأنما  غشّى النضَار جسومَها
أسْـدٌ  كـأن سـكونها متحرك
وتـذكـرت  فـتـكاتِها فكأنما
وتـخـالها والشمس تجلو لونها
فـكـأنما  سلت سيوف جداول
وكـأنـمـا نـسج النسيم لمائه
وبـديـعةِ الثمرات تعبر نحوها
شـجرية ، ذهبية ، نزعت إلى
قـد  سـرّحت أغصانها فكأنما
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
تـركت  خرير الماء فيه زئيرا
وأذاب فـي أفـواهـها البلورا
في النفس لو وجدت هناك مثيرا
أقـعـت عـلى أدبارها لتثورا
نـارا  وألـسنها اللواحس نورا
ذابـت بـلا نـار فعدن خريرا
درعـا  فـقـدّر سردها تقديرا
عـيناي  بحر عجائب مسجورا
سـحـر  يؤثر في النُّهى تأثيرا
قبضت  بهن من الفضاء طيورا
**************
 وقال البحتري يصف بركة المتوكل موظفا بعض أحداث التاريخ التي وردت في القرآن الكريم :
يا  من رأى البركة الحسناء رؤيتها
بـحـسـبها أنها في فضل رتبتها
مـا بـال دجـلة كالغيْرَى تنافسها
كـأن جـن سـلـيمان الذي ولُوا
فـلـو تمر بها بلقيسُ عن عرض
تـنـصب  فيها وفود الماء معجلة
كـأنـمـا الـفضة البيضاء سائلة
إذا  عـلـتها الصَّبا أبدت لها حُبُكا
فـحاجب  الشمس أحيانا يضاحكها
إذا  الـنـجوم تراءت في جوانبها
مـحـفوفة  برياض لا تزال ترى
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
والآنـسـات  إذا لاحـت مغانيها
تـعـد  واحـدة والـبـحر ثانيها
في الحسن طورا، وأطوارا تباهيها
إبـداعـهـا ، فـأدقوا في معانيها
قالت : هي الصرح تمويها وتشبيها
كـالخيل  خارجة من حبل مجريها
مـن الـسبائك تجري في مجاريها
مـثل  الجواشن مصقولا حواشيها
وريِّـق الـغـيـث أحيانا يباكيها
لـيـلا حـسبت سماء ركبت فيها
ريـش  الطواويس تحكيه ويحكيها
**************
 وقال المتنبي في بحيرة طبرية :
لولاك لم أترك البحرة والـ
والموج  مثل الفحول مزبدة
والطير فوق الحُباب تحسبها
كـأنـهـا  في نهارها قمر
كـأنـهـا والرياح تضربها
نـاعمة  الجسم لا عظام لها
تـغنت  الطير في جوائحها
فـهـي  كـمـاوية مطوقة
 
 
 
 
 
 
 
 
غـور  دفيء ، وماؤها شبِمُ
تـهـدر فـيها وما بها قَطََم
فـرسان  بلقٍ تخونها اللُّجُمُ
حـف بـها من جنانها ظلَم
جـيشَا وغى: هازم ومنهزم
لـها  بنات . ومال لها رحم
وجاءت الروض حولها الديم
جـرد عـنها غشاءها الأَدم
( والأدم : بياض النهار ، أو أول الضحى )
**************
 ونصل إلى الشاعر الرومانسي علي محمود طه إذ يقول في بحيرة " كومو " أجمل البحيرات الإيطالية :
اصدحي يا خواطري
ودنـت جـنة المنى
قـد بـعثنا بها على
فـي  مـسـاء كأنه
الـبـحيرات والجبا
وتـنـقـبن  بالغما
*        *       *
هـاهنا  يشعر الجما
آه لــولا أحـبـة
ورفـات  مـطـهر
لـتـمـنيت  شرفة
أقـطع العمر عندها
فـلـقد فاز من رأى
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
طُـوِيتْ  شقة السفرْ
وحـلا  عندها المقرّ
مـوعد  غير منتظر
حـلم الشيخ بالصغر
ل تـوشحن بالشجر
م وأسـفـرن للقمر
*        *       *
د  ويوحي لمن شعر
نزلوا  شاطيء النهَر
وكـريـم من السير
لـي في هذه الحُجر
غير وان عن النظر
ولقد  عاش من ظفر
**************
 ولغرام علي محمود طه بالجمال في نزعة رومانسية خلاقة نجده يترجم قصيدة " البحيرة " ل " لامرتين " :
كـنـت بـالأمس تهدرين كما
وضـفـاف أمـواجها يتداعي
والـنـسـيم العليل يدفع وهْنا
مـلـقـيا  رغوها على قدميها
أتـرى تـذكـريـن لـيلة كنا
وسـرى زورق بـنـا يتهادى
في سكون فليس نسمع فوق الـ
تـتلاقى  على الربى والحوافي
 
 
 
 
 
 
 
 
أنـت  هديرا يهز قلب السكون
ن  عـلى هذه الصخور الجُون
زبـد الـموج للربى والحُزون
لـيـن  المسِّ مستجيب الأنين
منك فوق الأمواج بين الضفاف
تحت جنح الدجى وستر العفاف
مـوج  إلا أغـانـي المجداف
بـأنـاشـيـد  موجك العزَّاف
**************
 وبهذه الأبيات نصل إلى ختام حلقتنا عن البحيرة في ديوان الشعر العربي ، ونودعك بالتحية والسلام ، داعين الله أن نلتقي في حلقة جديدة بمشيئة الله .
 

المراجع

odabasham.net

التصانيف

شعر  شعراء  أدب  مجتمع