إضاءة النص المسرحي: نموذج د- خالد محيي الدين البرادعي
حين نكون أمام نص مسرحي مزدوج، أو لنقل مسرحيتين يتشاكل أمامنا الاختيار بين التحليل المتشابك وبين التحليل الفردي؛ لكن الأمر يمكن أن يكون مختلفا عند د- خالد محيي الدين البرادعي. لماذا؟
الإطلالة الأولى على المؤلَّف 1 تحيلنا بدءأً على التحديد الصرفي: مسرحيتان، رغم الجمع بينهما في عتبة العنوان بواو العطف. ولما نلج الكتاب نجده أيضا يعرف المسرحية الأولى:" عرس الشام: مسرحية شعرية متواصلة المشاهد" 2 ثم النص الثاني بقوله:" مسرحية شعرية" 3. فالتخصيص الذي لحق النص الأول يجعله متفردا عن الثاني، بالإضافة إلى هذه الجوانب الشكلية للقراءة العابرة لهما توحي أنهما يشكلان نصين لا نصاً واحداً. هذا التحديد لا يلغي بتاتا نواحي التشابه بينهما وهو ما يمكن أن يفرد له مقال جامع لكل أعمال البرادعي.
لقد كتب خالد محيي الدين البرادعي مجموعة من المسرحيات الشعرية بداية من " دمَّرُ عاشقاً" إلى النص رقم 17:" الشجرة التي أورقت سيوفا" 4، وكلها تدخل ضمن سياق المسرح الشعري، لذا فيمكن القول إن خالد محيي الدين البرادعي تمرس في كتابة مثل هذه النصوص، لأنه يَعتبر الشعرَ مفتاحَ الكتابة والدليل الذي يعتمده المسرحي لتكوين أفكاره والسيْر بها تجاه المبتغى. يقول:" غاب عن الأذهان أن الشعر منبت في نسيج النثر المسرحي، حتى لدى حاملي لواء معارضة الشعر نفسه، فالذين عالجوا الأساطير استلهاماً، أو أعادوا صياغتها في مناخ الشعر وتكوينه، والذين أسقطوا متاعبهم على المحطات الخرافية، والحكايات الشعبية كانوا يسيرون تحت أهداب الشعر، والذين حولوا الخرافة إلى مسرح كانوا لا يبدؤون السير من مقالع الشعر، والذين حركوا الأحلام وجسَّدوا تأمُّلات الإحساس وزهر العاطفة، كانوا يغوصون في لجة الشعر بحثا عن المسرح وهم لا يشعرون."1
فهل يمكن الجزم إن البرادعي كشف أهمية المسرح وجمالياته من خلال الشعر؟
1- إضاءة أولى: عرس الشام ، وضعية الشام بين الخيانة والتشرذم
أول ملاحظة يمكن تسجيلها في هذا المضمار هي كثرة الإرشادات المسرحية التي يستهل بها المؤلف مسرحيته" عرس الشام". فمن تحديد جنس المسرحية( رغم أنه لا يفيد كثيرا في الإخراج المسرحي) حيث عرفها كما سبقت الإشارة بأنها مسرحية غنائية متواصلة المشاهد. ونحن نعلم مدى أهمية الغنائية في الشعر العربي أولا ثم في رديفه المسرح. والغنائية في المسرح تنطلق من الشخصيات التي تحول الأحداث من صفتها الثابتة إلى صيغة أكثر حركية ونشاط. لذا نجد أحمد شمس الدين الحجاجي يقول عن مسرحية " مجنون ليلى " لأحمد شوقي:" الغنائية هنا تلقائية نابعة من طبيعة الشخصية فكلا البطلين شخصية غنائية في الأصل نقلها الشاعر لتعيش نفس الدور الذي عرت به في تراث الشعر الغربي فيصبح كل منهما بطلا غنائيا لمسرحية تحمل اسمه."2 إلا أننا نجد من يعترض على النص الشعري المسرحي الغنائي لكونه يشل الحركة داخل الرُّكح. يقول محمد الكغاط:" الدراما الغنائية تتميز بغياب الحركة والتنقل، وطغيان نص شعري جيد وعميق وساكن يراد لذاته." [1]
لكن الكغاط يفصل في هذا الصدد بين الدراما الغنائية التي تعني في أغلبها " الأوبرا – كوميك، أي المسرح المغنى، والفعل الدرامي أو الدراما :" التي تبدو مرتبطة بالعرض أكثر مما تبدو مرتبطة بالنص، بل إن أرسطو عندما يصنف المسرح داخل الشعر الدرامي، إنما يفعل ذلك للإشارة إلى أنه شعر يعتمد على الحركة وعلى الفعل." 2
لن نخوض كثيرا في هذا الموضوع، المهم منه أن خالد محيي الدين البرادعي استطاع أن يمزج بين ما هو شعري وما هو درامي ليخرج لنا مسرحية شعرية صالحة للتمثيل. لماذا الجزم بهذه الصلاحية ؟
لعل ما كان يضيء به جوانب من حواره، أو ما يسمى بالإرشادات المسرحية تجعل متخيلَ المتلقي يعيش فصول المسرحية كأنه أمام العرض نفسِه. فيبقى أمام المخرج بعض الإضاءات الأخرى لتصبح جاهزة للعرض النهائي. وربما – أو الأكيد- أن الدمع بين التأليف والإخراج هو ما أتاح للبرادعي هذه الخاصية، فحين نقرأ في الصفحات الموالية لتحديد جنس النص المسرحي، يتضح لنا ذلك جليا.
التحديد
نوعه
خصوصيته
مسرحية شعرية (ص- 5 )
جنس النص
تمييز النص من حيث كونه يشغل حيز المسرح استنادا للشعر
من عام 1914 إلى عام 19460 (ص- 7)
زمان وقوع أحداث النص
تخصيص الحيز الزماني اعتبارا لخصوصية المرحلة ( الاستعمار الفرنسي)
دمشق. ( ص- (7
مكان وقوع المسرحية
صبغة مكانية اعتبارا لتشكيل النص لا لعرضه
المشاركون في الأحداث.
( ص- 9–8)
شخصيات النص
التمييز بين الشخصيات المستمرة عبر أحداث النص، وشخصيات تظهر مرة واحدة لتختفي0
ملاحظات. ( ص- 10)
الشيخ لا يغني...
السفاحان شخصية واحدة..
استعانة بوثائق حربية مكبرة على الجدارالخلفي.
تجانس الملابس مع الفترة الزمنية.
دراسة أبطال الثورة..
استعانة بأطفال الشهداء..
الإرشادات المثبتة في هذه الصفحة تعطي مجموعة من الإشارات إلى ما ينبغي أن يضعه المخرج نصب عينه قبيل البدء في إخراج المسرحية.
إن من الخصائص التي أثبتت في هذا الجدول ما يبرز بجدية عن المشروع الثاني للنص المسرحي، إنه مشروع إخراج النص. لذا يمكن التساؤل حينا بقولنا: أين تكمن سمات النص الثاني في هذه الإرشادات أو بالأحرى ما مدى مساهمة مثل هذه التخصيصات في إعطاء الأولوية للتمثيل التخيلي قبل العرض على الرُّكح؟!
من مميزات النص المسرحي " عرس الشام" أنه لا يتبنى موقف المرشد إلى الأحداث التاريخية السالفة، بقدر ما يضع المتلقي أمام مجموعة من التساؤلا ت عبر الشخوص المتحولة في النص. وخالد محيي الدين البرادعي حين يحدد الفترة الزمانية أو المكانية فإنما يتغيى إبراز الواقع السوري ومنه العربي من خلال نموذج مخصص، والقياس في هذا المجال وارد.
1 - د- خالد محيي الدين البرادعي: عرس الشام و أشباح سيناء،مسرحيتان شعريتان،منشورات اتحاد كتاب العرب، دمشق، 2001.
2 - نفسه: ص- 5.
3 - نفسه: ص- 105.
4 - انظر في هذا الأمر المسرحيات التي كتبها في ملحق المسرحيتين، (م- س)، ص- 180.
1 - د- خالد محيي الدين البرادعي:عن المسرح الشعري، مجلة الوحدة، (المؤسسات والمؤسسية في الوطن العربي) ،السنة- 1،ع- 11، غشت 1985، ص- 132.
2 - المسرحية الشعرية، (م- س) ، ص- 107.
[1] - المسرح وفضاءاته، (م- س)، ص- 27.
2 - نفسه، ص- 28.
المراجع
almothaqaf.com
التصانيف
شعر شعراء أدب مجتمع