تكيف الشورى بين الإلزام والإعلام: هل الشورى معلمة أم ملزمة؟ للجواب على ذلك لا بد من معرفة الآتي: أولاً: يجب أن يستجمع الإمام شروط الإمامة كالعلم، ورجاحة العقل، والشجاعة، وسلامة الأعضاء. ثانياً: لا بد أن يكون ناصحاً للمسلمين، ويقتدي بالسلف الصالح. ثالثاً: إذا وجد نص صريح من الكتاب والسنة والإجماع فلا يجوز لأحد أن يتجاوز ذلك. رابعاً: إذا لم يجد شيئاً من ذلك فيجب عليه أن يبحث بنفسه أو يسأل العلماء. خامساً: فإن لم يجد فله أن يجمع أهل الحل والعقد ويشاورهم، فإذا حصلت المشورة ففي المسألة تفصيل: 1- أن يتفق الجميع ومعهم ولي الأمر فحينئذ يلزم الجميع العمل بما انتهى إليه المتشاورون. 2- أن يقع الخلاف والأغلب موافقون لرأي ولي الأمر فحينئذ يلزم الأخذ برأي الأكثر. 3- أن يتفقوا على رأي، أو يكون الأغلب على رأي وولي الأمر على خلافهم فهذا هو محل الخلاف، فالمسألة على قولين: الأول: وهو قول الشافعي والطبري أن الشورى معلمة، واستدلوا بقوله تعالى: (( فإذا عزمت فتوكل على الله )) أي إذا عزمت على رأيك بعد التشاور، واستدلوا بأنه لا يوجد نص يدل على الإلزام بالشورى، وقالوا بأن الحاكم مجتهد فلا يلزم أن يأخذ إلا بما أداه إليه اجتهاده. الثاني: قالوا بأنها ملزمة واستدلوا بقوله تعالى: (( فإذا عزمت فتوكل على الله )) أي عزمت على رأي أهل الشورى، وقالوا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ برأي الأكثر في أحد، وقالوا: بأن ترك رأي أهل الشورى تقويض لمبدأ الشورى. والرأي المختار أنه: إذا كان ولي الأمر مجتهداً فيلزمه العمل بما ترجح عنده، وإن لم تتوفر فيه شروط الاجتهاد فليس له العدول عن رأي أهل الشورى، وعند وقوع الالتباس فيمكن لولي الأمر أن يوسع نطاق الشورى حتى يستبين له الأمر أكثر، وله أن يأخذ برأي الأغلب أو حيث لاحت له المصلحة. تنبيه:مصطلح الأكثرية: الحضارة المادية جعلته قانوناً مطلقاً فضنته الأمة الإسلامية فضيلة ونادت به في كل محفل، والأكثرية ليست حقاً مطلقاً بل هي خصيصة لرب العالمين، وولي الأمر مطالب بالنظر في مصلحة الأمة سواء كان ذلك هو رأي الأكثرية أو غيرهم ويضبط ذلك الشرع المطهر. الشورى في الجوانب الدعوية: الكلام عن الشورى ليس للدولة فقط بل للدعوة الإسلامية، فهي قاعدة مهمة وأصيلة من قواعد بناء الأمة سواء على مستوى مؤسسة أو دولة أو أي تجمع يريد الخير. ومن الغريب أن بعض الناس (دعاة أو مثقفين) تجدهم يجادلون حول الشورى هل هي ملزمة أو معلمة؟ مع أنهم لم يحقوا الخطوة الأولى وهي الإصغاء إلى أهل العلم والخبرة، ولم يتعلموا فن الاستشارة. إننا لم نتعود على مبدأ الشورى، وربما لم نمارسه، وقد أدبنا الله - سبحانه - بهذا الأدب في لفتات من كتاب الكريم، ولكن يغفل عنها الغافلون يقول – تعالى -: (( إني جاعلك في الأرض خليفة ))، وبلقيس قد شاورت قومها. وانظر إلى إبراهيم لم يمنعه عزمه على ذبح ابنه من المشورة فيحمله حسن الأدب على الاستشارة فقال: (( يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى )). فعدم المشورة يعني الاستبداد، والعمل بالرأي الواحد مذموم ولو بلغ صاحبه مبلغ الكبار، وارتفع درجات في الكمالات والمعارف. يقول السيد محمد رشيد رضا في المنار (4/199) في تفسير قوله تعالى: (( وشاورهم في الأمر )) قال: وشاورهم في الأمر العام الذي هو سياسة الأمة في الحرب (غزوة أحد)، وإن أخطأوا والرأي برأي الرئيس، وإن كان صواباً لما في ذلك من النفع في مستقبل حكومتهم إن أقاموا هذا الركن العظيم، والجمهور أبعد عن الخطأ من الفرد في الأكثر، والخطر على الأمة في تفويض أمرها إلى الرجل الواحد أشد وأكبر. قال بعض السلف (الطرطوشي) في سراج الملوك ص (94): إذا قيل كيف يشاورهم وهو نبيهم وإمامهم، وواجب عليهم مشاورته، قلنا هذا أدب الله - تعالى- لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ومن أقبح ما يوصف به الرجال كانوا ملوكاً أو سوقة الاستبداد بالرأي، وترك المشورة. وقد ذكر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب (3/120) نحواً مما ذكر، وزاد على حصوله، وهو السر عند الاجتماع في الصلوات، وهو السر في أن صلاة الجماعة أفضل من صلاة المنفرد. مقارنة بين العمل المؤسسي والعمل الفردي: بلا نزاع في الساحة الفكرية والدعوية والتربوية أن العمل المؤسسي خير من العمل الفردي الذي قد يصنف على أنه مرض من أمراض التخلف الحضاري عند المسلمين. والعمل الجماعي يمتاز عن العمل الفردي بأمور: 1- أنه يحقق صفة التعاون والجماعية التي حث عليها القرآن والسنة: ((وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)) وفي الترمذي: (يد الله مع الجماعة). 2- الاستقرار النسبي للعمل المؤسسي. 3- العمل المؤسسي أكثر وسطية من العمل الفردي؛ لأنه يجمع كافة الطاقات والقدرات المتفاوتة في اتجاهاتها. 4- الاستفادة من كافة القدرات والطاقات. 5- العمل المؤسسي هو العمل الذي يتناسب مع تحديات الواقع اليوم، فالأعداء يواجهونك من خلال أعمال مؤسسية منظمة تدعمها مراكز بحوث ودراسات محكمة مبنية على قواعد وأصول. فهل يمكن أن تواجهها بعمل فردي؟ ربما تمارس بعض المنظمات والجمعيات الخيرية وغيرها أعمالاً فردية وإن كان لها لوائح وأنظمة، وذلك لأنها لا تعني فلاناً من الناس فهو صاحب القرار - وهذا ملحوظ ومشاهد -، فحتى نجنب العمل المؤسسي آثار العمل الفردي فلا بد من معرفة عوامل نجاحه: 1- أن يكون مصدر القرارات في مجالس الإدارة أو اللجان المخولة لا أن يكون القائد أو الفرد. 2- أن يكون لغة الحوار السائدة. 3- التركيز في جداول الأعمال على القواعد والخطط العامة للعمل دون المسائل الإجرائية التي يكثر حولها الجدل. 4- وجود أرضية ومنطلقات ثابتة ومشتركة بين مجموع الأفراد وثوابتها هي أصول أهل السنة والجماعة. 5- الاعتدال في النظرة إلى الأشخاص، إذ تسيطر على الكثير الغلو في بعض الشخصيات وتقديمهم بحيث لا يرد لهم رأي أو قرار. ولذلك فطن عمر رضي الله عنه لهذا الأمر حين عزل زياد بن أبي سفيان فقال زياد: لم عزلتني يا أمير المؤمنين العجز أم الخيانة؟ فقال: لم أعزلك لواحدة منها، ولكني كرهت أن أحمل فضل عقلك على الناس، انظر مقدمة ابن خلدون ص (164).

المراجع

islamselect.net/mat/7147"المختار الاسلامي

التصانيف

عقيدة