3-2- المؤشرات المساعدة على خلق جو التحولات
 من الواضح أن التعامل الكلي مع هذه التجربة الدرامية لم يشغلنا عن تحريك لولبة التحدي المفاجئ، فلو لم ننتبه غلى مثل هذه الصراعات الثنائية والجماعية لما تمكنا من تخطي هذه المرحلة. لذلك نقول إن التحدي حين يطرح نفسه بإلحاح لإخراج ( تخريج نظري أو تخريج/ إخراج مسرحي) كل مكونات النص المسرحي، أو البارز منها على الأقل.
إن نص "أشباح سيناء" لم يسلم هو كذلك من التشكيلات (السينيمائية) التي استغلها البرادعي لخلق جو المتعة الدرامية وتحقيق الفرجة على حساب السكونية والثبات التي اتهم به المسرح الشعري. وإن هذه التنويعات استفاد منها كثيرا للتعبير عن الصراعات الداخلية ( داخل الشخصيات) والخارجية ( المحيطة به). منها مثلا ما أورده:" (صاحب التاج يرى بمفرده صورة معركة حقيقية يتابعها باهتمام معزولا عن السيدة التي بدأت تتعامل معه كما لو كان مصابا بلوثة. أو جنون طارئ هي خائفة وعاشقة في آن)" 2
لكن البرادعي لم يستغل باقي المؤثرات المسرحية المساعدة باستثناء بعض الأصوات التي كانت تأتي من أعلى ومن بين أذنيه.
" الصوت: ( مقتربا من أذني صاحب التاج أكثر) 1.
كما أنه اعتمد بعض المؤثرات (القليلة) في التعبير عن علو كعب المشوه وقدرته على خلخلة الحالة النفسية لصاحب التاج.
" المشوه: ( مع حديثه تتلاشى الأشباح من عني صاحب التاج)
أما قلت.. إن الشهيد الذي ماتْ
أفلِتَ من راحتيكْ
...
(صاحب التاج: يدور.. تفعل الخمر في خلخلة وعيه. ويرى عددا
من مشوهي الحرب. فيهم نساء وأطفال غارقون في الدم. يرى
امرأة مصلوبة على جذع نخلة يصرخ بضيق)" 2
إذ كان استغراقنا في هذه العجالة لخص بعضا من مقومات المسرح الشعري بعيدا عن التحليلات اللغوية والإيقاعية التي تشكل نقطة أخرى في التحليل الأدبي، إذا كان الأمر كذلك نقول إن المسرحية الشعرية تحمل من الدلالات ما يجعلها تؤخذ من لدن الدارس الدراماتولوجي تارة، ومن قبل الناقد الشعري تارة أخرى باعتبارها أولا وقبل كل شيء نصا أدبيا. لذلك ربما نكون قد أغفلنا بعضا من الجوانب في التحليل لكن اعتمادنا منهجا مرتبطا بتحقيق الجماليات الدرامية في النصين ظهر جليا في النص الأول، وهو المؤشر الدال على قولنا.
للا يعني قولنا أن نص "أشباح سيناء" لم يوفق في تحقيق التمسرح،  بل إن مقوماته وأحداثه الواقعية أعطته نكهة ثانية مستنبطة من التدمر الاجتماعي مصاغة في قالب شبحي للتعبير عن عذابات الضمير وصراخات الشعب غير المسموعة ولا المرئية...
خاتــمة:
هل يمكن أن ندرج مسرح خالد محيي الدين البرادعي ضمن الفئة الثالثة (النضج في مجال المسرح الشعري ) 1التي يتزعمها صلاح عبد الصبور ؟
إذا كان من أسباب التفوق عند صلاح عبد الصبور يعود إلى استوائه شعرا قبل كونه مسرحيا، فإننا نلمس في مسرحيتي خالد محيي الدين البرادعي بعضا من مقومات الشعر العربي  المعاصر إلى جانب الجماليات الدرامية. إذ إن مؤشرات اللعب المسرحي أو الإرشادات  أصبح مفعولها أكثر مما كانت عليه في السابق، حين اعتبرت مجرد نص ثانوي، يقول د- أحمد شمس الدين الحجاجي :" فإذا كان المؤلفون القدماء لم يولوا الإرشادات المسرحية إلا عناية قليلة فإن بعض الكتاب المعاصرين من الغرب والعالم العربي خصصوا لها حيزا كبيرا في نصوصهم." 2
كما أن صناعة الفرجة عنده لم تتوقف عند النص المسرحي المجرد بل لازمته أشرطة مصورة لبعض الوقائع والأحداث، ثم إن امتلاكه لبعض المؤهلات الخاصة بالإخراج جعلته يحقق توازٍ فني يخدم التصورات والأحداث والتفاعلات التي تخلقها الشخصيات المتفاعلة مع الحوار، مركبة السرد الدرامي المتواصل المشاهد كما اصطلح عليها البرادعي سالفا.
لذلك لم يكن أمامه الحيز الذي يحقق فيه التقسيمات الممكنة لتفتيت عناصر النص. فالتصور العام للنص المسرحي لم يقف عند الكتابة الأولى بل تعداه إلى الكتابة الإخراجية التي تفضي إلى الجمالية المرتبطة بالفعل الدرامي.
لائــحة المراجع
الكتب:
أحمد شمس الدين الحجاجي: المسرحية الشعرية في الأدب العربي الحديث، كتاب الهلال،
العدد 583،أكتوبر 1995.
حسن المنيعي: المسرح المغربي ( من التأسيس إلى صناعة الفرجة) ، دار الأمان للنشر والتوزيع، الرباط،
ط- 2، يناير 2002.
خالد محيي الدين البرادعي: عرس الشام وأشباح سيناء، مسرحيتان شعريتان،منشورات اتحاد كتاب العرب، دمشق 2001.
عبد الله راجع: القصيدة المغربية المعاصرة، بنية الشهادة والاستشهاد، منشورات عيون، الدار البيضاء، ج- 1، ط- 1، 1987.
عمر محمد الطالب: ملامح المسرحية العربية الإسلامية،منشورات دار الآفاق الجديدة،المغرب، ط- 1، 1987.
محمد غنيمي هلال:في النقد المسرحي، دار الثقافة، دار العودة، 1975.
محمد الكغاط: المسرح وفضاءاته، البوكيلي للطباعة والنشر، القنيطرة، ط- 1، 1996
المجلات:
آفاق: ع- 3، 1989،عز الدين بونيت، المسرح المغربي والمسألة التراثية،ص- 25.
الطريق:ع- 1، فبراير 1986،بول شاول، المهرجانات المسرحية وإشكاليات المسرح العربي،ص- 126.
المدرس: س- 2، 1998، يونس الوليدي، التحليل الدراماتوجي للنص المسرحي، شهرزاد لتوفيق الحكيم نموذجا، ص- 78- 67.
الوحدة: س- 2، ع- 11،غشت، 1985، المؤسسات والمؤسسية في الوطن العربي،" عن المسرح الشعري"، خالد محيي الدين البرادعي، ص-   132.
1 -المسرحية، ص- 115.
2 - نفســه، ص- 148- 147.
1 - د- أحمد شمس الدين الحجاجي: المسرحية الشعرية، ( م- س)، ص- 267. حدد خلالها بعض ملامح هذه المرحلة.
2 - د- محمد الكغاط: المسرح وفضاءاته، ( م- س)، ص- 214.
 

المراجع

almothaqaf.com

التصانيف

شعر  شعراء  أدب  ملاحم شعرية