المتأمل لتجربة الشاعر السوري ماجد الأسود, يرى فيها خاصية قليلة الحضور في المشهد الشعري , و أقصد بها الدعابة الشعرية و السخرية من الذات و المجتمع في صيغة تناول نقدي للواقع الحياتي المُعاش.
ففي  مطلع قصيدته "بطولات عربية"
و التي يسبقها الشاعر دائما بتقديم شفوي : يذكر فيها واقعة ترشّحة في انتخابات نقابة المعلمين ,  و كيف أنه تمّ استبعاده رغم حصوله على غالبية الأصوات ,  و كيف أن زملاءه قد غدروا  به .
 يقول:
ثعلب أم  ذئب غابه أم  زعيم     لعصابه
أم ترى  قد  كنت...دباً في انتخابات  النقابه
فهنا نجد أسلوب السخرية القاسي   من الذات  , و لوم النفس  للتعبير عن مكنونات الذات , و بما يتجاوز الذات إلى الشأن العام طالما أننا أما انتخابات "فاقدة المشروعية من وجهة نظر النص"
هل  صحيح ما  سمعنا أنكم .......يا  للغرابه
لعبوا   فيك جميعاً        بين جدٍ   و دعابه
ثم شاطوا كيف شاؤوا حينما أصبحت (طابه)
الإنسان هنا في صراع مع المجتمع
الأنا الطيب  / الآخر الشرير
لاحظ عبارة " لعبوا فيك جميعا ً"
و لكن السخرية من الذات في هذه القصيدة,  و مع تقدم القصيدة سوف تتحول باتجاه الفخر بالذات و الهجاء للآخر الذي تَتَمَثَّل به القيم الأخلاقية السلبية
ذاك يومٌ في حياتي      كيف لم أحسب حسابه
يوم لا    ينفع شعر ٍ      وبيان...... و خطابه
إلا من   يأتي بقلبٍ         ملأ الغش جرابه
نحن هنا أما آليات الاستجابة المضادة للإحباط و الفشل في الانجاز.
و هي آليات تركّز على الأنا بصفتها طهرانية – أصيلة – وطنية
مقابل الآخر: المدنس- الدخيل- الخائن
أنا لم    أحلف   طلاقاً     و يميناً  ..... لصحابه
لا و لا خنت  بعمري        زاد زيدٍ    أو شرابه
أنا ما صرت  إماماً           دون طهر من جنابه
و نتابع
وأنا .. لحن  قديم           شاخ في  قوس  الربابه
وهم أورغ  و ديسكو       وأنا أشدو العتابه
مع الوقوف عند الصورة الشعرية الملفتة في لبيت الأول:
فقد تم أنسنة اللحن "سمعي" و تجسيده بصريا كوتر في قوس الربابة, مع استبداله لفظا ً بمعناه. و هناك تماهي بين اللحن القديم,  و الفعل شاخ كفعل دال على القدم كذلك , و لكنه القدم في دلالة الأصالة و تراكم الخبرة,  و ليس في دلالة الضعف و أرذل العمر. و هذا القدم الأصيل يناقض الجديد الدخيل المنتشر  " و هم أورغ و ديسكو" و لكنه قديم يشتكي الهجر سعيد ٌ بوحدته في الحياة, حاله حال شاعرنا بصفته سارد القصيدة.
و نتابع مع الشاعر حيث يستعير أسلوب قص" قبيلة حدّثنا " و مرويات التراث في مزج بارع بين الحاضر و الماضي , مستحضرا لبيبة
و إذا قالت لبيبة فصدقوها     فأن القول ما قالت لبيبة
و سجاح التميمية  مدّعية النبوة.
و كذلك نلاحظ  تشابهه كلمات من ذات الوزن  "نجاح-  سجاح " ,  و يشتركان في الحروف الثلاثة الأخيرة. و كذلك لاحظ تشابه كلمات من ذات الوزن
 " نضال- سحال" و يشتركان في الحرفين الأخيرين كذلك ,  و لا يخفى الإشارة الخفية بين النضال و فعل القمع السحل المرادف له  تناقضيا ً من حيث الدلالة .
حدثتني  ذات علم                     عن لبيب عن  لبابه
عن نجاح  لسجاح                      عندما راموا انتخابه
عن نضال وسحال                     وكفاح ..... وغلابه
عن  فضاء  مكفهر                   جل من يغشى عبابه
قد تهاوى النسر  فيه               وسمت  فيه  ذبابه.
لاحظ التماهي بين الأنا و النسر , و بين الآخر  الذبابة , في احتجاج واضح على الظلم الذي تعرض له الشاعر في واقعة انتخابات نقابة المعلمين
و قد جاءت نهاية القصيدة تعبيرا خطاب سياسي  وعظي مباشر
و شهادة للتاريخ.
وطني لو جار  أبقى                أنا من يحرس  بابه
وطني  يبقى..ونمضي             كلنا .... يتلو  كتابه.
*
و في النهاية سأكتفي بملاحظتين حول قصيدة "بطولات عربية"
-القصيدة متماهية مع  كاتبها كونها تعبر عن مناسبة تخص الشاعر, و كُتبت في من واقع محنة.
-لم تكن القصيدة مخلصة لأسلوب السخرية من الذات و السخرية في رفض الواقع الاجتماعي و السياسي بما يكتنفه من سلبيات. و أزعم أن الشاعر الأسود يمتلك موهبة تؤهله لذلك,  و في العديد من قصائده – حد اطلاعي على تجربته-  مثل قصيدة "السنفور- الضرس الملعون- النواعير..الخ" قد اقتربت القصيدة من الغرض الشعري التقليدي "الهجاء- الفخر" و لو أنها كانت تَعِدُ بما يتجاوز محدودية هذا التصنيف.
                  
* شاعر وكاتب سوري

 

حمزة رستناوي

 

المراجع

ahewar

التصانيف

شعر  شعراء  أدب