لأول مرة في حياتي أكتب موضوعا عن التدخين وأنا لم أكتبه هنا إلا ليقرأه المدخنون لأن تجربتي الطويلة مع السيجارة ثم تركها فجأة تجعلني أكتب عن هذه التجربة فقد يستفيد منها بعض الزملاء السابقين في التدخين فيقلعون عن هذه لعادة.

أشعر بالحزن والأسى عندما أتذكر أنني دخنت خمسين سنة متواصلة لم أنقطع فيها يوما واحدا عن التدخين وكنت أصحو أحيانا من النوم الساعة الرابعة صباحا وأنهض من السرير لكي أذهب إلى المطبخ وأصنع فنجان قهوة لكي أدخن معه ثلاث أو أربع سجائر وكانت السجارة لا تفارق فمي طوال النهار إلى أن أخلد إلى النوم وأصبحت أشعر في الآونة الأخيرة عندما أسهر مع الأهل والأصدقاء بأنني الوحيد الذي يدخن وأن نظرات الاستنكار الصامتة توجه لي لأنني ألوث الجو وأجعل الجالسين حولي يدخنون تدخينا سلبيا رغما عنهم.

المهم أنني في النهاية قررت أن أترك التدخين إلى الأبد وبالفعل صحوت في أحد الأيام وشربت قهوتي من دون سجائر وقد دهشت زوجتي لكنني قلت لها بأنني تركت التدخين إلى الأبد فلم تصدق وبقيت علبة السجائر والولاعة على مكتبي لمدة أسبوعين ورفضت أن أستعمل أي وسيلة تساعد على ترك التدخين لأنه كان لدي قناعة تامة بأن الله سبحانه وتعالى سيكون معي في اللحظات الحرجة وهكذا قطعت مرحلة الخطر وأصبحت أعيش حياة أخرى تختلف عن حياتي السابقة.

وقد يسأل البعض كيف تتغير حياة الإنسان إذا ترك التدخين.

الجواب عن ذلك سهل وبسيط فقد انتهت أصوات الصفير التي تخرج من صدري خصوصا عند النوم وبعد أن أنام كما انتهى الشخير المزعج وهذه شهادة من زوجتي كما أنني أصبحت أنام نوما عميقا ولا أصحو في الساعة الرابعة صباحا لكي أدخن والآن عندما أصحو لا أشعر بمرار في فمي كما كان في السابق والأهم من ذلك أنني صرت أوفر كل يوم حوالي ثلاثة دنانير كنت أحرقها في الهواء.

لا أريد أن أقدم النصائح هنا للمدخنين لأن المدخن لا يمكن أن يترك عادة التدخين مهما قدمنا له من نصائح إذا لم يكن مقتنعا بذلك لكنني أقول لكل المدخنين بعد تدخين دام خمسين عاما بأن أي مدخن لديه القدرة على ترك التدخين وقد تكون هناك صعوبة في البداية لكن لكل إنسان إرادة ويجب أن تسخر هذه الإرادة حتى يتخلص المدخن من هذه العادة.

كان لدي اعتقاد جازم بأن السيجارة تساعدني على الكتابة خصوصا عندما أكتب الشعر لكن بعد تركي للتدخين تبين لي أن كل ما كنت أعتقده عن السجارة هو وهم من صنع الخيال بل إن إنتاجي في الكتابة زاد كثيرا لأنني لا أضيع وقتي في التدخين وشرب القهوة والشاي.

وهنا أود أن أقول بأن التدخين عادة فقط مثله مثل باقي العادات والعادات منها الجيد ومنها السيئ فعلى سبيل المثال فإن عادة القراءة عادة جيدة لكن عادة الجلوس في المقاهي من أجل تدخين الأرجيلة تعتبر عادة سيئة وهكذا يعتبر الناس عادة التدخين عادة سيئة ويمكن تركها حتى لا يتهم المدخن بأنه يمارس بعض العادات السيئة.

على كل حال بالإرادة والإيمان بالله والتصميم غير القابل للتراجع يمكن للإنسان العاقل أن يفعل أي شيء كان يعتبر مستحيلا.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   نزيه القسوس   جريدة الدستور