كل ما يجري اليوم على الأرض العربية يقول وبالفم الملآن بأننا شعوب اقصائية لا نفهم معنى الاختلاف ، ولا نحسن التفكير إلا بلون واحد، ولا نقبل الآخر..كل ما يجري يقول بأن العربي لا يتفهم معنى أن يكون هناك شعوب أخرى ليست عربية وليست سنية وليست شيعية وليست مسلمة وأن الأغلبية هي الكل ولا يمكن تقبل وجود أقلية لها مواصفاتها التي تشكلت قبل تشكل الدول العربية ..مع أن الأرض العربية هي أرض الحضارات العظيمة عبر التاريخ قبل الإسلام ، وهي الحضارات التي لم ترفضها الدولة الإسلامية في صدر الإسلام، بل استوعبتها وأفادت منها ومن تنظيماتها الحضارية، وهذا هو سر نجاح الدولة التي وجدت على الأرض التي فتحتها تنظيمات فارسية وبيزنطية وقبطية وسريانية وبربرية، فلم تستبعدها ولم تعتقل الناس عندها لأنهم أقباط أو سريان، أو لأنهم نصارى ..صاروا جزءا من النسيج الاجتماعي لأنهم أصلا وعبر العصور كانوا على هذه الأرض، هذه الحقائق التي يفهمها الدارس المحقق تجعله يحترم تلك المرحلة، ويقف مذهولا أمام عقلية أبناء عرب اليوم ..العقلية التي ترفض الآخر ، وتقبل بعبودية الحزب والتنظيم الذي يصادر القبول بالآخر، ويهدر دمه بكل الوسائل .. ولا ندري كيف يحمل الأستاذ الجامعي خطاب الكراهية والتحريض على الآخر تحريضا فئويا ومذهبيا ..ولا أدري كيف تسمح لهم مؤسساتهم بإشاعة هذا الخطاب بين الأجيال، واعتقال العقول وتهميش الفكر المخالف واغتياله

ما يجري على أرضنا العربية يقول بأسف شديد: إن التغلغل في الأجهزة والمؤسسات التعليمية طوال نصف القرن المنصرم ، زرع التعصب وخطاب الكراهية والتحريض على الآخر المختلف عن الأغلبية في عقول وصدور الصغار والشباب، وهي المصيبة التي تجعل من المستقبل العربي حالة من الدمار الفكري والجسدي والمؤسسي .. إن استرخاص الدم ليس حقا لأحد .. الدماء غالية وثمينة، ولا يمكن القبول بالوصاية على العقول والعواطف بأية صيغة كانت لأننا خلقنا أحرارا كما قال رجل الدولة القوي الخليفة عمر بن الخطاب في زمن البناء، مدافعا عن حقوق القبطي المظلوم عندما فتح العرب مصر، وكانت مصر عندها تحت الحكم البيزنطي وأهلها هم الأقباط .

إن المواجهة اليوم في عالمنا العربي هي تحرير العقل قبل تحرير الدولة .. وعلينا أن نتذكر أن العالم لا يساند طرفا عربيا ضد الطرف الثاني؛ لأنه يساند الحق.. فالسياسة لا دين لها كما تعلمون .. إنهم اليوم يفككون المنطقة يا عرب .. إنهم يعيدون تركيبها كما خططوا بعقليتهم التي تبني مصالحهم في القرن الحادي والعشرين .. إنهم يعيدون تصنيف جغرافيتنا كما فعلوا بعد الحرب العالمية الأولى ..ولا يهمهم غير مصالحهم، وما علينا إلا أن نبادر بترميم الشقوق الأخدودية التي صنعناها بيننا كشعوب عربية، ما علينا إلا أن نرمم الأخاديد التي حفرتها خلافاتنا .. اقبلوا الاختلاف بيننا لأنه جميل .. تقبلوا اختلافنا عن الأغلبية وتذكروا بأننا مهما اختلفنا عرب وعرب وعرب ، قبل موسى وعيسى ومحمد كما قال الحسين بن علي وفيصل بن الحسين من قبل .. أحبوا الاختلاف لأنه الأصل، ولا تجعلونا من الخاسرين .. حرروا عقولنا من لعنة التعصب فليس من حقكم مصادرة فكر الجيل الجديد واعتقاله.. علموا هذا الجيل نعمة الاختلاف، وهو ما فعله العرب الأوائل الذين فتحوا البلاد وتقبلوا الآخر من أقصى الصين وحتى جبال البرانس..ولا تعتقلونا ضمن معسكرات الفكر المعلب ..

أشيعوا ثقافة المحبة بدلا من البغض والكراهية والانغلاق، أحبونا لأننا ملح الأرض، ولأننا من مكونات الوطن الذي يضم كل المنابت والأصول .. أحبونا كما نحبكم .


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   هند ابو الشعر   جريدة الدستور