لمن نحتج على الوحشية وإراقة الدماء العربية..؟ للجامعة العربية أم لهيئة الأمم ..؟ للإتحاد الأوروبي ..؟ لمن نوجه الغضب على استرخاص العرب لدماء العرب ..؟ ومن نصدق من آلة الإعلام ..؟ أي طرف نصدق ..؟ وماذا سنقول في الزمن القادم عندما نجرؤ على تدريس هذه الحقبة للجيل القادم ..؟ كانوا يدينون الاستعمار والصهيونية ، ويحدثوننا عن مذبحة دير ياسين وعن قصف الفرنسيين لدمشق وإحراقها ، وكنا نحفظ رائعة أحمد شوقي ( ودمع لا يكفكف يا دمشق ..
) فماذا سنقول للقادمين عن إحراق القاهرة بكنائسها ومرافقها ومؤسساتها بيد أبناء مصر..؟ وكيف سنتحدث عن المواطنة والعروبة والشعب الواحد وفي ملفات هذا الزمن أبشع حالات الاغتيال بدم بارد للمجندين الذين ربطت سواعدهم الشابة خلف ظهورهم واغتيلوا ووجوههم منكفئة على تراب الوطن ..؟
لن ننسى حتى آخر ساعات العمر المنظر السادي المرعب لتعذيب واغتيال أفراد الشرطة في الكرداسة وأسوان ، والجموع « من المواطنين « يتفلتون لتعذيب « جثة « تنزف منها الدماء الحارة ، محاولين تقطيعها بلا رحمة أو إنسانية ، لا يمكن لأي فيلم من أفلام الرعب أن يتفوق على هذه المشاهد التي ارتدت فيها الجموع إلى عصر الغاب ، لا يمكن .. |
ذات مرة تابعت على شاشة التلفاز فيلما جارحا عن هجوم قطيع من اللبوءات على قطيع من الغزلان واغتيال وافتراس القطيع لغزالة .. ما زال منظر اللحم الطازج النازف بين الأنياب يبعث التقزز في النفس ، وما زال الرعب الذي رصدته الكاميرا لعيون الغزالة يقتلني، وما زالت الحركات المجنونة والمستنجدة لأقدام الغزالة الرشيقة يتقافز في ذاكرتي..
كنت أظن أن الغابة وحدها تملك كل هذه الوحشية ، ولم يخطر ببالي أن يتكرر هذا المشهد في مصر ، بين أهلنا وأهلنا ، المؤسف والمروع أن الممرضات وقفن يتفرجن ولم يقمن بواجبهن الإنساني للدفاع عن شرف الميت ، كانت أصوات البعض تذكر بأن « هذا حرام .. حرام .. راعوا حرمة الموت « وكانت الغرائز الوحشية أكبر من كل شيء .. | والمؤسف أن الذين يتدافعون لتعذيب الجثة والتمثيل فيها كانوا من الشباب ، ولا شك بأنهم من طلبة الجامعات .. فليذهب التعليم والثقافة إلى الجحيم ، إلى الجحيم إذا كان أصحابها يضربون بالإنسانية عرض الحائط ويتحولون إلى قتلة للجثث وربما إلى مصاصي دماء . لم أستطع أن امنع نفسي من استذكار موت ابن المقفع وهو يتقطع قطعة ، قطعة ويرى جسده يلقى في النار ، ترى لو كانت حادثة مقتل ابن المقفع مرصودة بكاميراتنا الذكية ، هل كنا سنغفر للقتلة وحشيتهم ونحن نتابع الهلع والرعب في عيني ابن المقفع ..؟
لن ننسى أبدا وحشية العرب الذين مثلوا بجثث العرب.. لن ننسى منظر الدماء التي تهطل من جماجم المجندين الشباب ... ولا السواعد المربوطة خلف ظهورهم .. لم نعد نقدر على رؤية المزيد من الدماء والقتل والحريق والتدمير .. ولا نريد أن نصدق أن العرب يمثلون بجثث العرب .. لا نريد .. | لمن نشكو وحشية العرب بحق بعضهم ..؟ لمن ..؟ وكيف يمكننا استعادة الثقة بأنفسنا وبالمبادئ والقيم ..كيف ..؟أسئلة تؤرقنا وتجعلنا لا ننام خوفا من أحلام الرعب والدماء والجثث المقطعة ، أسئلة تستصرخنا لبناء الزمن القادم بلا دماء ولا أحقاد ..بناء الوطن وليس حرقه وبتر أعضاء الناس .
على العقلاء وأصحاب الرأي والوطنية أن يقودوا الناس نحو المستقبل ، وألا يسمحوا بالارتداد إلى الوراء ، وعلى الجميع تعظيم المواطنة والوطن ، هذه هي الوصفة القادمة للزمن العربي القادم ، التي ستعيد القطار العربي إلى السكة ، وتعيد لنا كلنا الأمان بالمستقبل ...أعيدوا للوطن هيبته ، إنه ملاذنا كلنا وهو ملكيتنا الجماعية ماضيا وحاضرا ومستقبلا ، ليس ملكا لحزب ولا لصندوق اقتراع ..ملك للآتين الذين يجب أن نخجل من تدمير مستقبلهم بدم بارد وبلا ضمير ،أعيدوا لنا ثقتنا بمواطنتنا فهي أغلى من كل الأحزاب والقيادات التي تستقوي بالخارج وتدوس على حرمة الوطن .. |
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة هند ابو الشعر جريدة الدستور
|