بعد أن سقط حكم السلاطين في الدولة العثمانية التي أصر أصحابها على أنها (علية)، وجد المواطن العربي نفسه أمام حالة مربكة، فقد اعتاد على « سلطة « الدولة، واعتاد على التسليم بما يفرضه» الباشا « في سوريا، في حالة خضوع تلقائي منذ عام 1516 م ..ولم تكن القوى المحلية في بلاد المشرق العربي ومغربه تملك الفاعلية والسلطة المعنوية أمام تجبر الدولة .. ومن يقرأ بدايات النهضة الفكرية ويتابع رموزها، يعرفْ مدى الحيف الذي مارسته السلطة على الرأس العربي المفكر، فقد اغتيل الكواكبي بالسم عقابا له على التفكير.. وكانت « الرعية « يحكمها الخوف من النفي إلى الأناضول وجزر البحر المتوسط، إذا ما اتهموا بالتفكير .. هذه هي خلفيتنا التي ورثناها عن أجدادنا الذين أرعبتهم سلطة الاتحاد والترقي ..ومن لا يقرأ هذا الزمن بكل أدبياته لا يعرف غير القشور التي تروج لها الفئات التي تعتبر « السلطان « حالة مقدسة لا يجوز المساس بقدسيتها ..
بهذه الروح انتقلنا إلى العهد الوطني، وفي خلايانا دم الخوف من التفكير والانتماء للأحزاب، وللحق فإن الأحزاب أيضا تمارس عبودية التنظيم وسلطة الحزب الواحد، ويمكن للدارس أن يلاحق الصراع بين سلطة الدولة وسلطة الحزب، والأصل أن الدولة ليست مستهدفة بالصراع، بل إنها الحاضنة للأحزاب التي تضع برامجها لخدمة المواطن في إطار الدولة، ولا يمكن أن يكون « الكرسي « هو المجال المغناطيسي الذي يتصارع عليه الأحزاب مع الدولة ككيان، والدولة قاطرة لا يسمح بخروجها عن خط السكة بإرادة حزب.. الدولة هي الحاضنة وليس الحزب، وعلينا أن نرفض سلطة الحزب الواحد ولا نرفض الدولة .
هذا هو فقه السياسة التي نريد، ولا أدري لماذا يتعامى عرب اليوم عن حقيقة واضحة مثل الشمس تقول: كما أننا نرفض تغول الدولة على الأحزاب، علينا يا عرب أن نرفض تغول الأحزاب على الدولة لتفككيها، وإحلال عبودية التنظيم التي تصادر العقل ..وعلينا أن نعترف بأن « انخفاض منسوب الديمقراطية « إن جاز لي التعبير، ما هو إلا نتيجة طبيعية من الصراع بين الدولة والأحزاب، فكر الحزب يجب أن يخدم المجتمع والدولة ولا يهدم الدولة ليبنيها بعبودية التنظيم الذي يجعل الوطن بلون واحد، أي يصادر عقل المواطن ويمنعه من التفكير بغير إرادة الحزب .. | يعني أننا لا نخرج من عباءة السلطان عبد الحميد الذي سمته أدبيات المرحلة بالسلطان الأحمر، والمهم أن يتمكن العقل العربي من الخروج من عبودية العصر الجديد الذي يخرج علينا بخطاب تحريضي مؤسف، لقد ضاع المواطن العربي بين سلطة الدولة وسلطة الحزب الواحد، ونقول، لا نقبل بتغول الدولة على الأحزاب، لكننا بالمقابل ندين وبشدة تغول الأحزاب على الدولة ككيان ومؤسسات، ونرفض الفكر الذي يهدم الدولة بمؤسساتها وحدودها وثوابتها، ليؤسس لسلطة محدودة الأفق بفكر واحد لا يفهم التعددية والاختلاف، ولا يكرس الوصاية، ولا يرفض ضوء الشمس ..الفكر الذي يؤسس للمواطن العربي المتوازن المتصالح مع نفسه ومع الآخر، فهل من وصفة حزبية لا يحلم أهلها بالكرسي؟.
حسنا، فليجلس رئيس الحزب على كرسي الحزب، ولا يحاول هدم الدولة، وليخدم بفكره واجتهاداته المواطن في إطار دولة متوازنة بفكرها واجتهادات أهلها ولتدفع كل الأحزاب قاطرة الدولة ولا تفجرها بالألغام .
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة هند ابو الشعر جريدة الدستور
|