ربما كنا في هذا الزمن العالمي المتداخل والعجيب بحاجة إلى تحديد العلاقة بين أصحاب المبادئ ومصالحهم الشخصية، وربما كانت هذه العلاقة هي المقتل الذي تتحطم على صخوره أكثر أفكار الأحزاب عنادا وصلابة، وأزعم أنها المسألة الشائكة التي تبعد الناس عن المشاركة في الأحزاب والعمل في إطارها .. فنحن كلنا لا نخاف الفكر وتوابعه، ولكننا نخاف من سطوة المنظرين والمنظمين وتحويل كل المكاسب العامة للجماعة إلى مكاسب شخصية؛ ليصبح الحزب هو الفرد الذي يجمع مكاسب الجماعة في عباءته، ويترك الفكر والتنظيم والكوادر كلها تحت عباءته أيضا.
ما الفارق بين فكر الأحزاب العربية في الخمسينيات وبينها اليوم ..؟ ما الفارق بين انتماء الكوادر للتنظيمات الحزبية في منتصف الخمسينيات وبين الكوادر اليوم؟ في عصر العولمة والتهافت على جمع الثروات الطائلة والتي تكاد تصل إلى موازنة وزارة، ليقوم رئيس الحزب ببناء قصر بالملايين، يهز فيه مصداقية الأفراد به وبالفكر والتنظيم الحزبي ..
ما الذي تغير ..؟ درجة القناعة بالفكر عند الناس أم درجة القناعة بالتنظيم أم بالزعيم الذي يقود الحزب ..؟ هل تغيرت علاقة الناس بكل هذه الأمور في زمن العولمة وانكسرت الهالة التي كانت تحيط بزعيم الحزب، ليصبح في إطار الفضائيات والهواتف الذكية والشبكة العنكبوتية بلا مصداقية ..؟ هل تغير مزاج الناس نحو الزعامات أو أن الزعامات هي التي تغيرت عندما امتلك أصحابها القصور الفخمة والسيارات الفارهة وهم ينظرون للكفاح في سبيل الفرد وتأمين أفضل السبل لرفاهيته ..؟ ذات يوم قرأت قولا للفيلسوف المصري المعاصر توفيق الحكيم اختصر ما نقوله بامتياز وذكاء، قال : ( المصلحة الشخصية هي دائما الصخرة التي تتحطم عليها أقوى المبادئ .. | ) فكيف ننتقل بحياتنا السياسية والتشريعية نحو بناء حياة حزبية صحية ومتطورة وراسخة تعتمد على القناعات القوية بأهمية البناء الفكري والتنظيمي الذي يخرج من ترابنا وينغرس في الوطن بجذوره ويغلب الزعيم فيه مصلحة الوطن والناس على مصالحه الشخصية ..؟
أزعم أننا وجدنا السبب الحقيقي وراء عزوف الناس -عندنا- عن العمل الحزبي، فقد خبت روح الزعامة التي تجمع الكوادر، عندما صارت المصالح الشخصية أقوى من القيم الحزبية .. فقد الزعماء عنصر القيادة، وفقدت الكوادر والأفراد الشعور بالحوافز القوية للتحزب لفكر بعينه والانتماء للتنظيم، فكيف نستعيد الألق القديم للزعامات ..؟ نريد حياة حزبية تقودنا إلى برلمانات المستقبل وحكومات المستقبل .. وهذا يعني أننا نريد زعامات مقنعة نستعيد معها عافيتنا الفكرية، فمن هو زعيم الحزب الذي يجعل المبادئ أقوى من المصالح الشخصية ..؟
ابحثوا معي عن الزعامات التي تصلح لقيادة الزمن القادم وقولوا لهم: انسوا مصالحكم الشخصية .. وأعيدوا للفكر دوره لنبني الحكومات البرلمانية المستقبلية .. إنها طريق الإصلاح وخريطة الطريق المستقبلية .. فقد مللنا من تشكيل حكومات أوهى من بيوت العناكب لأنها تقوم على الصداقات والجغرافيا والتركيبة المعروفة للموازنة بين الشمال والجنوب والأصول الشرق أردنية والفلسطينية، وإشراك المسيحي والشركسي بنسب مقبولة، ومراعاة التوازنات العشائرية .. نريد زمنا لا يرضي النواب ويشركهم بالحكومات على حساب الشعب .. فهل تعد الأحزاب عندنا لهذا الزمن ..؟ وهل نتجاوز النغمة التي سيطرت علينا في العقود الثلاثة الماضية والتي تكرر القول، إن الحزب الوحيد المنظم هو الإخوان المسلمون ..؟ أمامكم الميدان فماذا تنتظرون ..؟
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة هند ابو الشعر جريدة الدستور
|