لو رصدنا التغيرات الجديدة التي تركتها هجرة إخواننا من سوريا إلى الأردن ، لوجدناها أكبر مما نتصور ، صحيح أننا في بلاد الشام عائلة واحدة ممتدة ومتداخلة زمنا وتاريخا ونسبا وعلاقات عائلية ومصالح تجارية ، لكن آثار هذه الهجرات المتتالية تتسارع في يومياتنا ، نراها ولا نقدر على التحكم فيها ، لقد حلت العمالة السورية المدربة والنشطة محل العمالة الأردنية ، وصار الوضع الطبيعي أن ندخل متاجرنا ومطاعمنا ومصانعنا لنسمع اللكنة السورية ، ولنجد ابتسامة العامل تسبق ترحيبه وكلماته الطيبة التي تذكرنا بسوق الحميدية ومطعم « أبو العز « و « الكمال « ، وكل هذا مقبول لدينا لزمن محدود ، فقد كنا نظريا ننادي بتحقيق الوحدة الاقتصادية قبل الوحدة السياسية ، لأننا نعلم أنها الطريقة الوثيقة لتتحقق وشائج الوحدة ، ونحن بلد الثورة العربية الكبرى التي نادت قبل كل الأحزاب والقوى السياسية بوحدة العرب ، وللحق فمن يدرس تكوين المجتمع الأردني من خلال المصادر المتنوعة ، يخرج بنتيجة تقول بأننا نقبل التجدد ونفتح قلوبنا وبيوتنا لأشقائنا ، وأن جغرافية شرقي الأردن عبر التاريخ كانت مستقرا طبيعيا يتجدد بهجرات موسمية أو باستقرار الحجاج من المشرق أو المغرب فيه ، وأن أهاليه من العشائر المتبدية والمستقرة في الأرياف أصيلة على هذه الأرض ترصدها المصادر بالأعداد وأحيانا بأسماء الأسر ، وهي أيضا أصيلة بأخلاقها وتعاملها مع المهاجرين الذين يلوذون بهذه الأرض وأهلها وقيادتها ، وهو ما رصدته دراسات تاريخ الأردن من مصادرنا بامتياز .

لا نقلق على سلوك شعبنا مع أهلنا المهاجرين من سوريا ، لكننا نعلن القلق من سلوك بعضنا تجاه مواطنيهم ، وهو ما يجعلنا نتساءل عن التغيرات المؤسفة في سلوكيات أصحاب العقارات أو المصالح التجارية وتحديدا المطاعم والمخابز ومحلات بيع الملابس والخضار والفواكه ، لقد جرفت المادة بعض مواطنينا ليستغلوا هذه الفرصة ويستثمرون في العقار والتجارة أيما استثمار ..

ما الذي تغير فينا نحن أبناء الأردن ..؟ ولماذا تحول البعض ممن يملكون العقارات إلى مصاصي دماء ..؟ نسمع عن حالات لا تصدق لاستغلال المالكين لعقاراتهم في المناطق الحدودية ، بحيث يصبح المستأجر الأردني على كف عفريت ، يهدده المالك بكل الطرق الشيطانية ليخلى العقار ، فيؤجره للمهاجرين من أهلنا من سوريا بالمبلغ الذي يريد ..؟ يا الله هل تغيرنا إلى هذا الحد الفظيع ونسينا أخلاقنا الطيبة التي سرت في عروقنا ..؟ هل جرفنا جنون الربيع العربي ونحن الذين مارسنا عقلانيتنا ووعينا التنويري في حين استهلك العرب من حولنا كل جنونهم ..؟

نسمع ولا نصدق أن هذه هي أخلاقنا الجديدة التي بدأت تصبح مقبولة في عرف السوق .. والخاسر الأول هو المواطن الطيب الذي يعتمد في دخله على الوظيفة والراتب المحدود ، والذي يذله ارتفاع الأسعار وظلم ذوى القربى ، نسمع عن حالات الجشع ولا نصدق ، ونقول لماذا تسمح الدولة قبل كل شيء بهذا ..؟ ونعاتب أهلنا من المستغلين لأهلنا ومواطنينا من أصحاب الدخل المحدود ،هل تغيرنا إلى هذا الحد البشع ...؟ المهم ألا تصبح هذه الأخلاق الجديدة مقبولة وتتسرب إلى جيناتنا الأردنية الطيبة التي نفاخر فيها العالم كله ، والأهم ألا يتقبل الأبناء هذا التغيير ويصبح من طباعهم .. والرحمة لأجدادنا أصحاب المضافات والعباءات ورائحة الهيل والمناسف ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ..


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   هند ابو الشعر   جريدة الدستور