هيكل معدني

طرقات متعرجة

شرطي سير

وسابلة تشير اليه

هذه طقوسه كل يوم ، لكأنها معزوفة أبدية مفروضة ، آلاتها العازفة: الجير والبريك والغمازات والبنزين طبعا والمساحات وغيرها من اعضاء كونشرتو القيادة.

لوحة المعلومات المسنودة على التابلو تطل منها صورة رجل انيق مبتسم حليق نظيف سعيد مفعم بالحيوية ، تنظر اليه بطرف عينك فترى رجلا مغموسا بالشقاء مترهلا متهدلا ، حزينا ، لكأنه نسخة نيجاتيف سيئة التصنيع عن صاحب الصورة الكاشخ في لوحة المعلومات على التابلو.

رغيف الخبز يركض أمامه بأسرع من عجلات سيارته ، وهو يلهث خلفه بلا كلل ولا ملل .. فقد ترك افواها تبحث عن الطعام ، لم يداعبها منذ زمن ، فهو يخرج باكرا قبل ان يصحو الاطفال ، ويعود من العمل منهكا ، بعد ان يكونوا قد ناموا.

يصير مع الزمن ضليعا في العلاقات العامة وخبيرا نفسيا يعرف كيف يتعامل مع جميع انواع الكائنات: فالناس منهم المحترم ومنهم النكد ، منهم الكريم ومنهم البخيل .. منهم الصامت ومنهم الثرثار .. وهو يتعامل مع الجميع ويحاول ارضاءهم على حساب اعصابه ومشاعره.

ليس من اجلنا فقط ، بل من اجل اطفاله وعائلته يترهب هذا الرجل في صومعته المعدنية ويخدم الجميع ، بطريقة تقول لنا بأنه ليس المعلم وحده الشمعة التي تضيء الطريق أمام الاخرين.. صحيح ان شمعة المعلم تضيء ، لكنها تنير طريقا واحدا ، أما السائق فإنه ينير جميع الطرقات أمامنا ويعود الى البيت منطفئا من التعب ، لكنه في الصباح يصحو مثل طائر الفينيق الذي يخرج من رماد حرائقه اكثر قوة وعزيمة.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   مهند مبيضين   جريدة الدستور