اعتقدت في البداية ان الحكومة وزعت سماعات (بلوتوث) على ذوي الدخل المحدود ، اذا رأيت الناس من حولي يتكلمون ويتكلمون مع كائنات غير منظورة ، هذا يتغزل ، وذلك يتكلم بجفاء واختصار (توقعت انه يحادث زوجته المصون) وذاك يسب ويشتم ويلعن. في الواقع كان اكثرهم من الشتامين السبابين المنابذين بالألقاب والاسم الفسوق ، وشرش الحياء المطقوق.

بعد التدقيق والتمحيص واستراق النظر الى صيوان الأذن ، اكتشفت انه لا يوجد لا سماعات سلكية ولا اجهزة لاسلكية (ولا حتى سلكة جلي). وإن آذانهم مستفزة حمراء أكثرها مزروع بالشعر والنتوءات غير المبررة ، وبعضها يحمل النظارات ، والأخرى مشرئبة لكأنها تناطح طواحين الهواء ، وتلك متسعة كذمة مرابي ، وهذه مزمومة كضمير تمساح.

من لا يصدقني فلينزل الى وسط البلد ، وفي اي مكان يشاء (حتى في سوق الذهب) وليراقب الناس. سيكتشف ان عدد المتحدثين عن انفسهم يتزايد على شكل متواليه هندسية. كانوا في العام الفائت لا يزيدون عن اصابع اليد الواحدة وهم معروفون للجميع ، ومن المبتلين بالأمراض النفسية.

طبعا سبب هذا التزايد المطرد في العدد والعدة يعود الى ارتفاع اسعار المشتقات البترولية ، وبالتالي ارتفاع اسعار كل شي (عدا الأسكيمو الحمرا ، ام الشلن) ، حيث اصيب الناس بالفصام.. وضاعوا بين ما يتقاضونه من رواتب وبين متطلبات الأسرة والبيت.. بين هذا العمارات الشاهقة والمشاريع الباسقة وبين هذا الإنهيار العام والتآكل الذي اصاب ، ليس الفقير وصاحب الدخل المحدود فحسب ، بل ابتلع ثلثي الطبقة الوسطى على الأقل.

الحديث مع الذات هو بداية الاحتجاج.. صحيح انه حالة نكوص وحيلة نفسية يتعاطاها المواطن حتى لا يصاب بالانهيار التام.. الحديث مع الذات هو بداية حديث اكثر حدة قد يطالنا جميعا.. اذا استمرت هذه الحالة من تصاعد الأسعار وتأكل المدخولات.

في السابق قامت الماعز البري بأولى عمليات تصحير وتعرية للغابات ، لأنها كانت تأكل كل شي في الغابة ، وكانت تستسهل اجترار البسلات الصغيرة التي تنمو بقرب الأشجار الكبيرة ، اذا كان يتوجب ترك هذه البسلات لتنمو وتحل محل الأشجار الكبيرة حينما تموت.. لكن من كان يستطيع ان يشرح للماعز هذه النظرة الإستراتيجية للأمور؟ بالطبع الماعز انقرضت مع انقراض الغابة،.

هل نرضى على انفسنا ممارسة دور الماعز؟؟.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   مهند مبيضين   جريدة الدستور