لم يعرف مفهوم «مقاطعة السلع» في الحضارات القديمة: العراق ومصر وما بينهما، ولعل أقدم نص يدعو الى «المقاطع»ة جاء على لسان الخليفة عمر بن الخطاب:

جاء الناس إلى عمر بن الخطاب فقالوا :

- غلا اللحم ، فسعّره لنا؟

فقال: أرخصوه أنتم ؟

فقالوا : نحن نشتكي غلاء السعر واللحم عند الجزارين، ونحن أصحاب الحاجة فتقول: أرخصوه أنتم ؟ وهل نملكه حتى نرخصه ؟ وكيف نرخصه وهو ليس في أيدينا ؟

قال عمر : اتركوه لهم.

ربما تكون هذه أول دعوة لمقاطعة البضائع في الإسلام، وهي دعوة «جائزة شرعا» حتى لو كان السادة التجار من عتاة المؤمنين.

أما من ناحية أخرى فإن أفضل سلاح لمكافحة الاستغلال وكبح جماح الأسعار وإيقاف طمع التجار عند حده أيضا ...هو سلاح المقاطعة.

كما ان السخرية هي سلاح الضعفاء فإن «المقاطعة» هي سلاح الفقراء وأنصاف الفقراء الذين هم أساس حركة السوق ، وأساس عملية الاستهلاك.

فإذا تمكن هؤلاء من تنظيم أنفسهم في الحدود الدنيا فإنهم يستطيعون ان يصنعوا المعجزات، وتتساقط تحت أقدامهم الحجج التافهة التي تقول إن الدولار انخفض واليورو ارتفع ، التي يستخدمونها أيضا إذا انخفض اليورو وارتفع الدولار ، وكان سادتنا التجار يبحثون عن السعر الأعلى لذات المادة «عشان سواد عيوننا»

اعترف بأننا شعب فردي ، ونحن نتذكر قصة البخلاء الذين قرروا ان يضعوا لبنا في زير كبير حتى يشرب منه الحجاج المارين بقريتهم، واتفقوا ان كل واحد من أهل القرية يضع كوبا من اللبن.

المهم في الصباح تبين ان الجرة مليئة بالماء ..لأن واحدا من أبناء القرية قال في نفسه:

- بما ان الآخرين سيضعون لبنا فسأضع ماء دون ان يلاحظ احد .

..المشكلة ان الجميع فكروا بذات الطريقة.

إذا أردنا ان نتخلص من جشع التجار فإن علينا ان نتخلص من فرديتنا ونفكر ولو لمرة واحدة منذ قرون بشكل جماعي ونمارس فعلا احتجاجيا جماعيا....هذه قضية بسيطة نستطيع الشروع بها ..أما إذا لم نستطع... فلنقرأ على أنفسنا الفاتحة


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   مهند مبيضين   جريدة الدستور