يحاول عامل بناء ايطالي متقاعد إثبات أنه حي يرزق، إثر توقف راتبه التقاعدي ، بعد أن اعتبرته حكومته ميتا. هذا ما نشرته صحف أمس ، التي نقلت تصريحات عن العامل الذي قال انه يجمع كافة الوثائق التي تثبت لحكومته أنه ما زال على قيد الحياة حتى يستعيد راتبه التقاعدي .

كنت – خلال قراءة الخبر- أتذكر رواية الساخر التركي العظيم عزيز نيسين الذي يذكر مأساة بطل روايته (يشار يشامز) التي صدرت بالعربية تحت عنوان (يحيى يعيش ولا يحيى)، وهي تتحدث عن طفل في قرية تركية يرسله والده الى المدرسة الحكومية لتسجيله ، فيكتشف أن عليه ان يستصدر هوية للطفل ، وعندما يذهب الى دائرة النفوس مع طفله ، يكتشف أن طفله قد استشهد في معركة (جنق قلعة) عام 1915، وكان انذاك عمره اكبر من والده الذي تزوج عام 1911، وتستمر الرواية لترسله الحكومة الى التجنيد فيما بعد ثم يتم اخراجه من الجندية بعد سنوات لأنه تبين أنه ميت في معركة اخرى عام 1935، ويعود الى البيت ليجد أن والده قد توفي والحكومة تطالبه بتسديد ديون الوالد حتى يحصل على إرث والده ، فيدفع كل شيء ، لكن الحكومة لا تمنحه ارث والده لأنه ميت ، حسب سجلاتها في معركة ثالثة...وهكذا تسير حياته.

لكني تذكرت خلال قراءة الخبر - أيضا- أن هذه حال الشباب الربيع مع حكومته، لا بل حال الشعوب العربية ، التي أقنعتها حكوماتها أنها ميته، وجعلتها (مبلوشة) منذ ذلك الوقت في اثبات أنها ما زالت على قيد الحياة .

لكن الشباب العربي ..شباب الربيع العربي ، ادركوا اللعبة ، وثاروا على الأنظمة التي وأدتهم أحياء..ثاروا على تراب القبر الوهمي ، ليثبتوا للعالم أنهم لا يزالون على قيد الحياة، وأن الموتي هم الذين يحاولون دفنهم.

بهم ..ومعهم ، ها نحن نحيا ونعيش ثانية ، رضي من رضي وغضب من غضب


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   مهند مبيضين   جريدة الدستور