نجحوا تماما في توحيد الصف والنشيد الوطني ، والعزف على ذات النغمة، بحيث صارت لهم هويتهم المحددة المعروفة دون جق حكي ولا تفاصيل، هؤلاء ليسوا شباب الربيع العربي في كل مكان ، ولا هم الموالون ولا الأنظمة ولا الشبيحة أو البلطجية، ومن شابههم في أرجاء العالم العربي المشبوح على قارتين كسجون متلاصقة ..(سجّان يمسك سجان )، على رأي مظفر النواب .

نجحوا تماما ووضعوا في خيالنا الجمعي صورتهم وصوتهم وسلعتهم ..بمجرد أصوات صادرة عن آلة عزف بلاستيكية لا يزيد ثمنها عن ربع دينار...في الواقع لا اعرف اسم هذه الآلة – إن كان لها اسم- لكنها تشبة الهارمونيكا في مبدأ عملها.

أتحدث لكم عن باعة حلوى (شعر البنات) الذين ينتشرون في الأحياء الفقيرة ويعلنون عن انفسهم بنغمة موسيقية جميلة تخرج عن طريق النفخ على آلتهم تلك، فيخرج الأطفال فارعين دارعين لشراء شعر البنات ، بعد أن تكون الموسيقى قد عملت عمل المنعكس الشرطي على طريقة عالم النفس الروسي الكبير المرحوم بافلوف.

لا بل أن الآباء والأمهات يستعدون لدفع ثمن الحلوى فور سماع الموسيقى، إذ ليس هناك من طريقة لإيقاف شغب الأطفال ، الا بالدفع الفوري.والخلاص من وجع الراس لعدة دقائق ، على الأقل.

بالمناسبة ، باعة شعر البنات هم من مختلف الجنسيات العربية ، فقد يكون البائع اردنيا او مصريا أو سوريا أو خلافه ، لكنهم اتفقوا «جنتلمانيا» على الإيقاع ، بحيث لا يشذ أحد عنها من سنوات ، والذي يشذ سيعود الى بيته حاملا شعر بناته المنكمش على ذات وطنية ومنظمات المجتمع المدني.

كم أتمنى أن يتم تعميم تجربة باعة شعر البنات على القوى الوطنية والحراكات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني ، فنغني على ذات النغمة لنحدد هويتنا الوطنية العامة وكل واحد منا يبيع بضاعته على الناس بدون تخوين أو منافسة غير شريفة أو صكوك غفران.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   مهند مبيضين   جريدة الدستور