في مدينتنا قبل عقود، كان المطر احتفالا يبتهج فيه الجميع ، ويتسلل نسغه في أزقة الروح لتعم الفرحة، رغم البرد والجوع والمزاريب ودخان الحطب وانقطاع الكهرباء غير المفاجئ. كان المطر يعني الخير، والخير يعني الحياة والانتصار على الفقر والجوع.

وفي ذات حارتنا ، كنا نسمع اصواتا عالية تعانق السماء الممطرة، صوتا من الشمال وآخر من الجنوب وثالثا من الشرق ورابعا من الغرب وخامسا من بيتنا . كانت الأصوات موجهة الى السماء الممطرة، وكان كل صوت يحاول بل يطلب توجيه الغيم والغيث الى المنطقة التي توجد بها ارضه المزروعة بالقمح أو القطاني ، وكان كل واحد يحاول الصراخ

بصوت أعلى من الآخرين لتسمعه السماء قبل الآخرين.

ابي كان يصرخ بصوته الجهوري:

- ع التيـــــــــــم وارعدي.

والتيم هو اسم منطقة حوالي مأدبا كنا نمتلك ارضا زراعية فيها .

وكنا نسمع من كافة الاتجاهات :

ع الحدب..وارعدي-

- ع الحنو..وامطري

- ع حنينا....

- عالمقطاع....

- ع الحبيس....

- ع الشريط....

وهكذا.... ربما نكون رضعنا حليب المناطقيه من ذلك الزمان .

كان الجميع يصرخ بما يريد ، وكانت السماء تفعل ما تريد.

كانت الغيوم تسافر أنّى شاءت ، وكان خراجها يأتي الى الخليفة رغما عنها.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   مهند مبيضين   جريدة الدستور