لعل مؤسسة الزواج هي المؤسسة الأكثر إشكالية منذ بداية التزاوج البشري؛ ربما لأنها مبنية على علاقة ملتبسة بين اثنين، أقول ملتبسة لأنها حائرة بين الواحب الإنساني الذي يحتم التزاوج المنظم من أجل بناء المجتمعات السليمة، وبين صراع الإرادة بين الذكر والأنثى، نعم صراع الإرادة؛ إذ رغم التفوق الذكوري الواضح في مجال تحقيق الذات على حساب الآخر في هذه العلاقة، إلا أن الآخر لا يستسلم ويعبر عن إرادته بأساليب متنوعة وغير واضحة للطرف السائد نظريا.
يقول فولتير : «الزواج هو المغامرة الوحيدة المتاحة للإنسان» ولم يتزوج فولتير،ومات وحيدا فقيرا.ومن قبل فولتير بقرون، وبعده بقرون أيضا ما يزال الإنسان يبتكر العبارات المعبرة حول هذا الاحتكاك الطوعي بين الرجل والمرأة، فهناك من يؤيده وهناك من يرفضه، لكن الجميع يتفق على أن الموضوع يندرج تحت بند : «شر لا بد منه» أو خير لا بد عنه».
أما المرحوم سقراط فقد حل هذه الإشكالية بأن نصح تلاميذه ومريديه أن يتزوجوا، فإذا كانت الزوجة صالحة فإن الإنسان يسعد في حياته، أما إذا كانت طالحة ونكدة، فإن المريد ينجح في أن يصبح فيلسوفا، وفي كلتا الحالين هو ربحان. وقد نقل التاريخ لنا أقوالا شبه متناقضة لسقراط، ولا نعرف اذا كان هو القائل أم تم تحميله وزر هذه الأقوال، لأن أزواجا ضعاف الشخصية قالوها دون أن يمتلكوا الجرأة في الاعتراف بذلك، فلبسوها الى أخينا سقراط. ومنها قول سقراط : «الشبان الذين يتهافتون على الزواج ، كالسمك الذي يسبح حول شبكة الصياد، إنه يتهافت عليها في حين أن السمك العالق بها يتخبط دون جدوى للتخلص منها.
يقول المثل الأسكتلندي : « لا تتزوج من أجل المال، ففي وسعك اقتراضه بفائدة أدنى بكثير»، في حين أن هناك قولا آخر يناقض قول فولتير المذكور أعلاه..يقول أحدهم: «ليس صحيحا أن الرجال تنقصهم الشجاعة . فالكثير منهم يتزوجون». بينما يقول آخر تجرأ على ذكر اسمه، وهو مذكور في «موسوعة الأمثال والحكم والأقوال العالمية» بإسم « جونسون» ، يقول: « يتزوج الرجل إذا فقد وعيه، ويطلّق إذا نفد صبره، ويتزوج من جديد إذا فقد ذاكرته»
وهو قول رائع ومفرط في الطرافة، لكنه يعبر عن رأي الرجل فقط لا غي، كما في الأقوال والأمثال التي تم تثبيتها هنا حتى الان .
مدام دي ريو تقول: «إن لم يكن الزواج موفقا، فمعظم اللوم يقع على عاتق الرجل، إذ قلما تكون المرأة صاحبة الخيار».... وهو قول صحيح نسبيا، فيما تقول مدام سكوري بسخرية انتقامية من الرجل ..تقول: «على الرجل أن يفتح عينيه جيدا قبل الزواج، وأن يغمضهما نصف إغماضة بعده»، أما مدام دي ستايل، الخبيرة بألاعيب طبقتها من نساء النبلاء قبل الثورة الفرنسية ، فتقول: «أنا سعيدة لأني لم أخلق رجلا، ولو خلقت رجلا لاضطررت الى الزواج من امرأة».
تقول حكمة- على الأغلب من صنع امرأة فاضلة- ،: «الزوجة معشوقة الرجل في صباه، ورفيقته في رجولته، وممرضته في الشيخوخة». فيما تقول حكمة ثانية أقل تفاؤلا بكثير : «الناس يولدون أحرارا متساوين، لكن بعضهم يتزوج». فيما ذكر الكاتب الساخر ومؤلف قصص الأطفال لافونتين عبارة مفرطة في السخرية، تقول: «إياك أن تتزوج، عش عازبا، ثم انصح أبناءك بذلك»، وهي عبارة توجز هذه الحيرة البشرية في موضوع الزواج؛ لكنها لا تصل الى الحل، ولن نصل الى الحل أبدا.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة مهند مبيضين جريدة الدستور