شاركت الخميس الماضي في عضوية لجنة تحكيم، حيث نظم زميلي كامل نصيرات برنامجَ قراءات شبابية، على هامش نشاطات موقع تنفيس الإخباري الذي يملكه، وقد تغير كل شيء ونحن على المنصة، طار رئيس الوزراء، وتم تكليف رئيس وزراء جديد قديم . المهم قرأ الشباب نصوصهم، وكانت بيننا دكتورة في النحو، لم تستطع بحكم تخصصها الا ان تقسو عليهم وعلى مقدم البرنامج على مسرح عمون.
تذكرت نفسي، وتمنيت الا اكون مكانهم، فأنا ما زلت اخطئ في النحو خلال القراءة، ولم استطع اقناع نفسي ان تقوم بعمليات الإعراب الفورية خلال الخطابة أمام الجمهور، وهذه احدى ضرورات اللغة العربية، إضافة الى ان النحو العربي مادة صعبة وعويصة، وبحاجة الى ثورة بداخلها، وليس الى مطوعية.
قبل ثلاثة عقود أو أقل قليلا تابعت في الصحف جدالا بين علمين كبيرين من أعلام اللغة كان أحدهما العلامة روكس بن زائد العزيزي والآخر القاص العلامة عيسى الناعوري. لا اذكر موضوع الحوار بالضبط، لكني أذكر أن كل واحد منهما كان يحرص في كل رد له على الآخر على إبراز الأخطاء النحوية التي وقع فيها هذا الآخر، فيجيبه الآخر بالعديد من الأخطاء اللغوية التي وقع فيها غريمه.
كانت الأخطاء غريبة علينا؛ خصوصا وأن كلاً منهما كان يحرص على أن يضع أمثالا وأقوالا وأشعارا من بطون كتب اللغة واللغويين الأوائل تثبت تهافت صاحبه.ويرد عليه العلامة الآخر التحية بأحسن منها.
وقد طالت تلك المجادلة لأشهر، حتى فقد الناس الاهتمام بها، وأغلقت الصحف باب الاجتهاد. وكنت آنذاك في بداية عهدي بالكتابة، ولم يدرك هؤلاء الكبار كم تركوا في قلوبنا، نحن الشباب، آنذاك من ثلوم لم يشفها الدهر حتى الآن.
أنا شخصيا، أصبت بإحباط شديد، وتوقفت عن محاولات التعمق في اللغة والنحو، لأني فهمت من الموضوع بأنني سوف أقترف الأخطاء اللغوية مهما حاولت تجنبها، فمزقت كتاب النحو المدرسي، ولم أعد إليه حتى الآن، لكني ثابرت على القراءة والمطالعة في كل صنوف الأدب والعلم والتاريخ وكل ما استطيع الحصول عليه من كتب مقتطعا ذلك من الدخل المادي لأسرتي المفرط في التواضع.
أتذكر ازمة الثقة تلك، وما تركته من ثلوم في روحي، لأدعو الى ثورة في مجال اللغة، وفي النحو تحديدا، فمن غير المعقول في عصر الإنترنت والسرعة والحركة الدائمة في كل شيء أن نبقي على سلحفاء النحو العربي الذي يلوك الكلمات ويضع الحواجز ومصائد المغفلين في كل مكان، بحيث يصعب قراءة جملة واحدة وتشكيلها بلا أخطاء جسيمة نقترفها دون أن ندري.
نحتاج الى ورشة لغة عملاقة على طول الوطن العربي يشارك فيها الجميع؛ من أجل تخليص اللغة العربية من ركام القرون، وابتكار نحو جديد بسيط يتناسب وطبيعة العصر، يجعلنا اكثر ثقة بلغتنا وأكثر ثقة بأنفسنا وبقدرتنا على النطق السليم، والتعبير عما يجول بخواطرنا من دون تطعيم ذلك بمصطلحات أجنبية مزخرفة.
أنا لا أطالب بالتغيير من أجلي طبعا، فأنا أصلا عاجز عن التعلم حاليا، لكني اطالب بذلك من أجل الأجيال القادمة التي ظلمناها في كل شيء.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة مهند مبيضين جريدة الدستور