انا بانتظار أن تثور علينا الشواعيب والمذاريب وجواريش الحبوب والطوابين والمراقيم ، وغيرها من الأدوات التي كنا نستخدمها، ثم حلقنا لها ع الناشف، مع وصول أول ماكنة مولينكس، دون أن نشيعها بحزن ورأفة ورحمة على الأقل ، فقد قمنا بالإستغناء عنها فجأه ، ونقلناها - فجأة أيضا- من صدر البيت الى المزبلة .

عثر علماء الآثار على مزهرية تعود الى مرحلة البيرو القديمة، تظهر فيها صور الأشياء كالقدور والطواحين والأطباق وهي تمتلك أذرعا وتتعاون مع الحيوانات الداجنة والمستأنسة والمأكولة من قبل الإنسان ، الكلاب والدواجن ، جميعها تثور على الإنسان وتهاجمه.

يقول علماء الأثار والأنثروبولوجيا بأن فكرة اللوحة تعود الى مرحلة اقدم ..تحديدا الى أسطورة قديمة تفترض أنه سيأتي يوم تثور فيه الأشياء والحيوانات على الإنسان ..أي انها تثور ضد مضطهدها ومستعبدها وتحملهه العبء الذي القاه على كاهلها من طحن وهرس وحماية وتناسل لغايات اطعام الإنسان أو ركوب ونقل وما شابهها.

حسب الأسطورة فإن احجار الرحى ستطحن مخترعيها وصانعيها وتذبح الدواجن مربيها وتسلق القدور أصحابها، وقد حدث ذلك من قبل - كما تقول الأسطورة - وسوف يحدث مرة

هكذا تم تفسير مزهرية بيرو القديمة ، أما أنا - والحمد لله على قول أنا- فأعتقد أن القصة أكثر واقعية وأقل تفلسفا مما قيل عنها . وقبل أن افسر وجهة نظري التي تحتمل الصحة، اريد أن افترض أن تلك الفازة كانت موجودة في قصر الحاكم أو الكاهن ، أو رئيس القبيلة ..أو ما يشابهه .

ثانيا ، اعتقد أن تمرد الأشياء من ابتكار فنان مرهف يحمل مكر الساخرين ، أراد فيها أن يصور ثورة الناس ضد الظالم القامع السيد المحتل ، فوضع هذا الرسم الملتبس ، حيث قام بتبديل الناس (الشعب ) بالطواحين والطناجر والدواجن والحيوانات الداجنة، ليقول للظالم أن يومه قريب وأن الثورة قادمة...وهذا ما كان، وهذا ما سيكون ما دام هناك سلطات تقمع وشعوب تعاني .

الأكثر سخرية ، وهذا هو مكر الساخرين المكتمل ، أن القامع وضع هذه المزهرية في قصره مزهوا بها ، دون ان يدري انها تسجيل حي ومباشر الى نهايته القريبة، ومنشور ثوري ضده، يوزعه على الناس وهو بكامل قواه العقلية..

كان الفنان الساخر يدرك أنه أوصل المعنى ، وكان الناس انذاك يدركون المغزى ......وكان الزمن يدرك أيضا ..إذ انتهى القامع ، ولم نعد نعرف اسمه ، لكن روح الفنان بقيت مرسومة على مزهرية الخلود هذه ....فالخلود هو التناسل في الوجود....... الى الأبد


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   مهند مبيضين   جريدة الدستور