(1)

الدنيا حكايات، وليس غريبا أن معظم الديانات، السماوية وغير السماوية، ومعظم الفلسفات وحتى الأيديولوجيات، نشرت تعاليمها ووصاياها عن طريق القص والسرد والحكاية؛ لأنه اسلوب سهل يفهمه الإنسان، مهما كانت درجة ثقافته، ويفهم مغازيه ومعانيه، دون جهد كبير. وحكايتنا اليوم عن ذلك الرجل الذي كان يشاهد فراشة في طوْر التكوّن، وهي تحاول الخروج من شرنقتها.

توقفت الفراشة الوليدة قليلا عن الحركة داخل شرنقتها نصف الممزقة، فاعتقد ذلك الرجل أن الفراشة تحتاج الى مساعدة للخروج، فأزال غشاء الشرنقة. فعلا خرجت الفراشة بكل يسرسهولة ،خرجت بلا تحفظ، لكنها بعد قليل توقفت مجهدة،تتنفس بصعوبة ولم تستطع الطيران ، ثم ماتت.

لم يدرك ذلك الرجل، من البداية، أن الفراشة مثلنا تماما ، نحتاج الى المواجهة والصراع من أجل أن يكتمل نمونا الجسدي والعقلي والنفسي ، وحتى نكون أقوى في مواجهة الحياة بكامل لياقتنا البدنية والذهنية . وقد حرم ذلك الرجل الفراشة من خوض نصف معركتها ،فلم تكتمل أجنحتها ولا أجهزتها.

الحياة صراع ومواجهة .. وفي أي لحظة ينتهي الصراع تنتهي الحياة ، وتنتهي جدليتها ، وتذوي مبرراتها.

(2)

لا أحب ، عادة، الكتب التي تتحدث حول تنمية المهارات والشخصية وتعدنا بالتحول الى كائن جذاب أمور أصلي بور ستيرنع كامل الإضافات..... لا أحبها لكني اتصفحها في المكتبة ، على سبيل الفضول لا غير ، وقد قرأت في واحد من هذه الكتب المتشابهة قصة أعجبتني ، تقول القصة: إن أحد مديري الإنشاءات راح يتجول في موقع كبير للبناء كان يشرف عليه ،وشاهد ثلاثة عمال يكسرون حجارة صلبة ..

فسأل المدير العامل الأول : ماذا تفعل ؟

فقال : أكسر الحجارة، كما طلب رئيسي ؛

ثم سأل الثاني نفس السؤال فقال :

- أقص الحجارة بأشكال جميلة ومتناسقة ؛

ثم سأل الثالث فقال :

- ألا ترى بنفسك ، أنا أبني ناطحة سحاب ؛؛؛

فرغم أن الثلاثة كانوا يؤدون نفس العمل ،

إلا أن الأول رأى نفسه عبداً ،

والثاني رأى نفسه فناناً ،

والثالث كان صاحب طموح وريادة،

والمقصود، بلا معلمانية على أحد، بل كما تصفحته في الكتاب ، أن نظرتنا الى انفسنا تحدد الكثير مما سوف نكون عليه، وأننا نسهم، بشكل كبير جدا ورئيس، في رسم مستقبلنا.

(3)

على شاهد قبر يوناني قديم في منطقة أم قيس، شمالي الأردن مكتوب ما معناه :» يا أيها المار من هنا ...قبل سنين كنت مثلك، وبعد سنين ستكون أنت مثلي ، فتمتع بحياتك قدر المستطاع لأنها قصيرة جدا»

وقد أثّرت بي هذه العبارة عندما قرأتها قبل سنوات، وبالتأكيد أثرت بالكثيرين غيري، لأنها تمس جوهر الإنسان الداخلي ، وتضعه أمام حقيقة شديدة النصوع.....فالأحداث والمواقف وكل ما يحصل معي ومعك ، هي أمور لحظية وآنية لا تدوم.

فإذا مرّت امامك صورة جيدة فتمتع بها..

وإذا مررت بصورة غير مريحة فلا تقلق..فإنها لا تدوم.

وبناء عليه يمكننا القول بأننا محكومين بالأمل ، كما صرح المسرحي الكبير سعدالله ونوس، ذات يوم، وحينما نفقد الأمل ، وتبدأ طيور اليأس ببناء أعشاشها فوق رؤوسنا، علينا أن نتذكر ...... أن الأمر مجرد منعطف وليست النهاية ، بدليل أننا ما نزال هنا، وعندما تأتي النهاية فلن نكون موجودين لنشهدها.

انها حكمة رائعة نقلها لنا ذاك الرجل العتيق عبر العصور ..تمتعوا بالحياة ، فهي قصيرة، لكنها جميلة ورائعة، وتستحق أن تعاش فعلا.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   مهند مبيضين   جريدة الدستور