قامت دولتنا العربية الإسلامية المترامية الأطراف منذ صدر الإسلام على أساس الوحدة في التنوع، وما كان لها أن تقوم بغير ذلك. ورغم ما مر بنا من مصائب وفرقة وويلات وتفكك، منذ وفاة المعتصم وبداية العصر العباسي الثاني، إذْ سيطر السلاجقة ومن تلاهم على مفاصل القرار في الإمبراطورية العباسية، واستولى ملوك الطوائف على ما تبقى من مناطق نفوذ الأمويين في الأندلس، ثم تسلم مركز الإمبراطورية الطولونيون والإخشيديون والفاطميون والصليبيون والفرنجة والأيوبيون، ثم شجرة الدر والمماليك البرية والبحرية والجوية والبطاطا المقلية ..ثم كرّت المسبحة وصولا الى الحكم العثماني الذي استمر لأربعمئة عام تقريبا.

وخلال وجود العثمانيين تقسم الوطن العربي الى دولة محمد على في مصر وظاهر العمر في فلسطين بينما استطاعت أوائل حملات الاستعمار الأوروبي من احتلال هلال الخليج العربي بسواحله الشاسعة، ثم الثورة العربية الكبرى والتحرر من النير العثماني للسقوط تحت النير الاستعماري الأوروبي، الذي انزاح لتحل محله الهيمنة الأمريكية واسرائيل المزوعة خنجرا في خاصرتنا......,,,الى....الى الان.

لا أريد هنا ان استعرض معلوماتي التاريخية - المتواضعة أصلا وفصلا -، لكني اريد أن أؤكد بأننا، ورغم أننا صرنا دولا وقبائل وطوائف، الا ان شعار الوحدة في التنوع ما يزال هو جوهر الدولة العربية المصغرة والمكبرة، وصار – ربما رغما عنا- جزءا من نسيجنا الإنساني وشيفرتنا الوراثية .

نحن في العالم العربي، مثل أشعة الشمس : في الأجواء العادية فإن الأشعة تنتشر وتضيء درب الفقير والغني بذات القوة والخصوبة، كما انها تهب نفسها للشجرة العملاقة وللكمأة تحت التراب، في الأوضاع العادية تستمر اشعة الشمس في القيام بدورها الحياتي دون أن نرى الوانها.

لكننا نعلم، ومنذ مقاعد الدراسة الابتدائية وطوابير الصباح وأنشودة (يا علمي يا علم.... يا علم العرب واشرق واخفق )، وعصا المعلم ، بأن الطيف الشمسي يتكون من سبعة الوان رئيسة، لكن هذه الألوان لا تظهر الا حين ينكسر شعاع الشمس، أو تتلبد السماء بالغيوم، أو إذا مررنا أشعة الشمس قسرا ومخبريا على (موشور اختبار).

هكذا فقط تظهر الألوان المكونة، الخليجي والشامي والعراقي والمصري والسوداني والمغاربي.... ولم ننس أن نبتكر الوانا فرعية كثيرة وفي كل بلد على حدة، إذْ تقسم الشامي مثلا ..الى اردني وسوري ولبناني وفلسطيني وكردي وشيعي وسني ودزي ومسيحي ومسلم وشمالي وجنوبي ومدني وبدوي و ووووو

بالمجمل أن هذه الألوان الرئيسة والفرعية لا تظهر الا في حالات الضعف والتفكك والظلام، والأوضاع الاقتصادية الصعبة، والأوضاع السياسية الأصعب، إذْ نبدأ بتفصيل بعضنا البعض والبحث عن الحلقة الأقرب عشائريا أو دينيا أو اقليميا التي قد تحميني في ظل تراجع الحكومات عن دورها في حمايتي وتوفير الحياة الحرة الكريمة لي .

لكن هذا الأمر ليس حلا على الإطلاق، بل هو جوهر المشكلة . وقد تعمدت أن لا اذكر لكم سابقا ان شعاع الشمس يمكن أن تظهر ألوانه بشكل جمالي ومبدع، من خلال قوس قزح الذي ينبئ بانتهاء موجة الخطر، وها هي الأرض تستقبل شعاع الشمس على شكل قوس قزح، لتبدأ دورة الحياة .

ببساطة اذا لم نناضل بشكل مشترك من اجل وطن عربي ديمقراطي وحر وأن نتكاتف جميعا ضد الفساد والإفساد ، ونحمل هما وطنيا عربيا واحد ندافع عنه في اطار الوحدة والتنوع

...اذا لم نفعل ذلك فسوف نتحلل تماما ويتحول اشعاعنا الى مجرد غبار كوني عابر .


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   مهند مبيضين   جريدة الدستور