ليس منسيّاً بكاءُ فؤاد السنيورة، إِبّان عدوان إِسرائيل على لبنان في صيف 2006، لمّا جاءَ في كلمته في اجتماعٍ لوزراء الخارجية العرب في بيروت، على أَطفالٍ ونساءٍ وشيوخٍ يقضون شهداءَ في قصفِ الطائرات الحربيةِ الإِسرائيلية. طفرت دموعُه أمام الحضور والكاميرات عفويةً، وهو يُغالِبُ مشاعرَه تجاه الضحايا الأَبرياء، لكنَّ خصومَه لاحقاً، في حزبِ الله خصوصاً، وفي أَثناءِ الحملةِ التخوينيةِ الضاريةِ ضدَّه، وضد حكومته التي سمّاها نبيه بري حكومةَ مقاومة، راحوا يستدعونها للسخريةِ منها، أَو التشكيك فيها، ونظنُّهم، في ممارستِهم تلك، اقترفوا أَداءً سياسيّاً رديئاً. تُذكِّرُنا بتلك التفاصيل دموعُ رئيس حكومةِ التوافق اليمنية، محمد سالم باسندوة، أَول من أَمس، وهو يخاطبُ برلمان بلادِه، متحدثاً عن حال اليمن الذي يعيشُ منذ أَزيدَ من عام “أَسوأَ أَيامِه من التشتت والتمزق”، ويسأَلُ النواب إِنْ كانوا يريدون بلدَهم مثل الصومال. ويقولُ، في أَثناءِ بكائِه، بشأْنِ قانون تحصين علي عبد الله صالح من المساءَلة القضائية، إن هذا القانون سيُعرِّضٌه للشتم من كثيرين، لكنه مستعدٌّ كل الاستعداد، حتى أَنْ يُقتل، من أَجل وطنِه.
لا نظنُّ أَنَّ سهاماً جارحةً ستتوجه إِلى باسندوة من الشباب اليمني الثائر ورافضي حصانةِ صالح كلياً، وأَعوانِه جزئياً، ليس، فقط، لأَنَّ وداعة اليمنيين تحميه منها، ولأَنَّ من سارعوا إِلى تقبيله في أَثناءِ مغالبتِه دموعَه نوابٌ ووزراءُ من جماعةِ صالح، بل أَيضاً، لأَنَّ اليمن ليس “لبنان” الذي لا تستطيعُ طواقم أَحزابِه الطائفيةِ الاشتغالَ بالسياسةِ من دون مهرجاناتِ التخوين إِياها، والتي كان فؤاد السنيورة جسوراً في صدِّها وعدم امتثالِه لها بالكيفيّةِ التي أَرادَها حزب الله والقوى الملتحقة به، سيّما وأَنَّه صعبٌ على هؤلاء احترامُ عواطف الآخرين ومشاعرِهم وجوارحهم. وللحق، كانت هذه العواطف والمشاعر والجوارح في أَنبلِ مراتبِها لدى محمد سالم باسندوة، بشعرِه الأشيب، وهو شيخٌ جليلٌ في مدرسةِ الدبلوماسيةِ اليمنية الرائقة، والمخضرم في تجربةٍ كفاحيةٍ وسياسيةٍ عتيدة، وقد اختار ضفَّةَ المعارضة قبل أَحد عشر عاماً بعد سنواتٍ من مُقامِه في حزب صالح. ونتذكُّرُه، نحن العرب، صاحبَ أَداءٍ سياسيٍّ رفيع في أَثناءِ عضويّة اليمن في مجلس الأَمن إِبان غزو الكويت، وكان مندوبَ اليمن في الأُمم المتحدة.
كأَنَّ تضحيةً كبرى كان يُبادر إِليها باسندوة، وهو يُقدِّم مشروعَ قانون حصانةِ صالح لتمريرِه، إِذ هو انتشالُ اليمن من مهاوٍ عديدةٍ حتَّمَ عليه موقعَه الذي يطلب فيه من النواب حمايةَ صالح من المساءَلة، بموجبِ مبادرةٍ خليحيةٍ كانت محصلةَ مفاعيل داخليةٍ وإِقليميةٍ وأَميركيةٍ غير قليلة. كانت باديةً على وجهِ الرجل، بملامحِه الهنديةِ السمت، خشيتُه، في أَثناءِ بكائِه، من اتهامه بالتفريط بمصالح اليمنيين ومن شتمِه، ما قد يستدعي إِلى البال اتهامَ نائبٍ كويتي، قبل أَحد عشر عاماً، زميلَه عبد الله النيباري، في جلسةٍ للبرلمان وأَمام الكاميرات، بتغيير مواقِفه الوطنية، وبأَنَّه يُريد بيعَ الكويت للتجار، في أَثناءِ مناقشةِ مشروعِ قانونٍ للخصخصة، فما كان من النائبِ العتيد والنظيف إِلا أَن أَجهشَ بمرِّ البكاء، وهو يردُّ بغضبٍ وتأَثُّر على اتهامِه ذاك، ويعلنُ عدمَ تهاونِه مع تشويه تاريخِه وسمعتِه. كانت تُهماً باهظة عليه، فجاءَت دموعُه سخيَّةً على ما نتذكر، إِذ مسَّه أَمرٌ ثقيلُ الوطأة، وظلَّ احترامُه باقياً، كما احترامٌ واجبٌ لمحمد سالم باسندوة، ... وفؤاد السنيورة، وإِن كره رافعوا التخوين مهنةً باقيةً لهم.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة محمود الزيودي جريدة الدستور