كان حزبُ الله على حقٍّ كثيرٍ عندما استفظعَ صدورَ أَحكامٍ بالسجن مخففةٍ على عملاءَ تعاونوا مع إِسرائيل في أثناء احتلال جنوب لبنان، وعندما استهجنَ تناسي الدولةِ اللبنانيةِ توفيرَها فرصَ عملٍ وحياةٍ كريمة لأَسرى محررين من سجون إِسرائيل، فيما كان بعض العملاء يحظون بالليونة وحسنِ المعاملة. ومن بين ما ظلت أَسبابَ إِعجابٍ بقيادةِ الحزب لدى جماهير عربيةٍ غفيرةٍ تشدُّدُها بشأنِ العملاءِ ووجوب أَقصى القصاصِ منهم، وبشأْنِ أَيِّ شبهةِ تطبيعٍ مع العدو الإسرائيلي. يأتي إِلى البال هذا كله، فيما يلحظ المراقبُ بروداً بيِّناً في تعاطي حزبِ الله مع بهجةِ عديدين في “التيار الوطني الحر”، حليفِه الوثيق، بخروجِ العميد فايز كرم من حبستِه القصيرة، مستفيداً من تخفيضِ سنة السجن في لبنان إِلى تسع شهور.
انتظر أُولئك خروجَ المذكور من السجن ونثروا عليه الرز والورد، قبل أَنْ يمرَّ على صديقِ عمرِه ورئيسِه، ميشال عون، في طريقِه إلى منزله، ويُصرِّح أَنَّه سيصيرُ أَكثر تشدداً أَكثر مما كان عليه قبل السجن، ما قد يعني أَنَّه ينتظر عودتَه إِلى موقعِه القياديِّ في “التيار الوطني الحر”، من دون خجلٍ من عمالتِه التي اعترف بها أَمام القضاءِ العسكري في بلادِه، وثبتت عليه.
مؤكدٌ أَنَّ تعامل حزب الله ومشايعيه مع مسأَلة فايز كرم، المسؤول السابق عن شعبة مكافحة التجسس في جيش بلادِه (
)، كان سيختلفُ بشأن شخصٍ من الضفة السياسية الأخرى في الاستقطاب اللبناني المتواصل منذ اغتيال رفيق الحريري. لم نكن لنرى “النأي بالنفس” الذي يمارسه الحزب مع عمالة كرم، ومع احتفاظ هذا الرجل بعضويته في التيار العوني الحليف، ما قد يُجيز الظنَّ بأَنَّ مقداراً من قداسةٍ يُسبِغها على علاقته الخاصة مع التيار المذكور في المشهد اللبناني، الأمر الذي يُسوِّغُ هذا الصمت عن سلوك العونيين مع رفيقهم.
يُشار إِلى هذا الظن هنا، وفي البال أَنَّ شيئاً من الحرج ربما تسرَّبَ إِلى قيادة حزب الله، عندما جاءَ القبض على هذا الرجل، الذي كان يُحسَب ذراعاً يُمنى للعماد عون، بعد أَيامٍ من حديث السيد حسن نصر الله عن “البيئةِ الحاضنةِ للعمالة” في لبنان. ولا يمكن لقواعدِ الحزب، وبينهم عائلاتُ شهداء ومصابون وأَسرى محرَّرون ومكلومون من الاعتداءات الإسرائيلية المريرة، أَنْ تحتمل كل هذا الاحتفاء في تيار عون بالعميل السابق، والذي من الطريف أَنْ تشيعَ أَوساطُه إِنها لم تكن ثمينةً ومهمةً المعلومات التي نقلها أَزيدَ من عشرين عاماً إِلى الموساد، عبر الضباط الإسرائيليين الذين كان يلتقيهم في باريس ويتواصل معهم من بيروت.
كلُّ الحقِّ مع المحتجين الغاضبين في طرابلس على إِبقاء إِسلاميين موقوفين في سجون الدولة اللبنانية منذ أَربع سنوات من دون محاكمة، فيما فايز كرم قضي محكوميةً تقل عن ثلاث سنوات، ويخرجُ متوَّجاً بعرس. وكل الحقِّ مع سليم الحص في استنكارِه استفادة العملاء من تخفيضِ سنةِ السجن إِلى تسعة شهور. وكلُّ الحقِّ مع الناشطين في المجتمع المدني اللبناني في وقفاتِهم في محيطِ المحكمة العسكرية في بيروت احتجاجاً على هذه النعومة في معالجةِ ملف كرم، وتنديداً بالزعماء الذين “جعلوا الخيانةَ وجهة نظر”. لا مجازفةَ في القول، هنا، إِنَّ حزب الله أَضافَ في قصة هذا العميل سبباً جديداً لتناقص الإعجاب به، بعد موقفِه المعلن بشأن الدم السوري الراهن وقبله.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة محمود الزيودي جريدة الدستور
|