نخرجُ من الفندق الذي استضافنا فيه مؤتمر رابطة الكتاب السوريين في “جاردن سيتي” في القاهرة. سيراً على الأقدام، نصل إِلى ميدان التحرير ثم ننعطف إِلى باب اللوق، باقتراحٍ من سلامة كيلة أَن نجلس في “مقهى الحرية”. قريباً من الفندق، تتأثر عيوننا وأَنفاسنا ببقايا دخان الغاز المسيل للدموع الذي أَطلقته الشرطة المصرية قبل يوم، أَمام جموع المتظاهرين قدام السفارة الأميركية احتجاجاً على الفيلم المسيء. نتأَمل في الإيقاع الأَولي لمساءٍ أَول لنا في القاهرة التي أَزورها، وغيري من صحبي في هذا المشوار، أَول مرة بعد ثورة يناير، وفي بالنا أَنْ نقعَ على مزاج المصريين، في أَي مطرحٍ يمكثُ الآن، والثورةُ تقتربُ من إِكمال عامها الثاني، ورئاسة محمد مرسي تدنو من مائةِ يوم. النيلُ على وداعته، كما أَنوار القاهرة، وازدحامها وضجيجُها على ما نعهدُ ونعرف ونقرأ. نشربُ ما نشرب في المقهى، ونحسدُ، محمود الريماوي وبشير البكر وخليل النعيمي وطاهر رياض وأَنا، سلامة كيلة، على تحايا من شاباتٍ من معارفه يتلقّاها. ندردشُ كيفما اتفق، وفينا غبطةٌ بمصر وناسِها، وحيلتنا قليلة أَمام الإجرام اليومي في سوريا.
نعود إِلى الفندق، غير راجلين، وفي عصريّات اليومين التاليين ومساءاتيهما، يتوازى إِيقاعانا السوري والمصري، بعد أَن يخوض أَصدقاؤنا المنتخبون في الأَمانة العامة لرابطة الكتاب السوريين في قانونها وأَنظمتها وبرامجها وطموحاتها وأهدافها، ويقرون انتخاب رئيسِها ونائبيه ويُحددون مهمات لجانها. لا نجدُنا نحن الضيوف العرب مندسّين بينهم، بل نصيرين لمشروعِهم الحر، وفي بالنا أَنْ نكون معهم في ملتقياتٍ تالية للرابطة في دمشق، عند تحرّرها من النظام القاتل هناك. استغراق المصريين في مغالبةِ حياةٍ صعبة، وفي أَثناءِ دوّامةٍ عويصةٍ من جدالاتٍ سياسية، من الميسور أَنْ تلحظ ضجر سائق التاكسي وبائع الفاكهة ونادل المقهى منها، سيّما وأَنّ وزير المالية، ممتاز السعيد، يرى من “سنة الحياة” أَنْ ترتفعَ الأسعار، أَقول إِن استغراقَ المصريين في هذا كله وغيرِه لا يعدمُ لديهم قلقاً على سوريا وشعبِها. تقول لمن تسترسلُ الدردشة معهم، عرضاً، بأَنهم محظوظون قياساً للذي يجري في سوريا، فتجد نفسك أَمام شكوكٍ غير قليلة لديهم بالذي يحدُث في بلدِهم، ويُفاجئك بأَنَّ القناعةَ واسعة بين جمهرة عريضةٍ من أَهل الثقافة والكتابة والأَدب والتحليل السياسي بأَنَّ الأَميركيين من جاءوا بمحمد مرسي رئيساً، ومن أَوعزوا لقيادة الجيش بخلع حسني مبارك. تُحاول أَن تقتنع بذلك، ثم تُؤثر بهجة شرب عصير المانجا الباذخ، وبإفراط، على الأَخذ والرد مع هذا الكلام.
تُحاول أَنْ تقع على “الأَخونة” في تجوالاتِك في وسط القاهرة، منفرداً أَو مع أَصدقائك، فلا ترى أَثراً لها، وتحاولُ أَن تختبرَ المشهد، بارتجالٍ طبعاً، بغير عيون المستشرق أَو السائح العابر. ليس من معارفك وأَصدقائك هنا إِخوانيٌ قد تسمعُ منه ردوداً على ما كثيرٍ مما بلغك عن حالة عدم الرضا من مرسي ومن أَداء “الإخوان المسلمين” في السلطةِ ودواليب الحكم وفي مؤسسات اقتصاديةٍ وازنةٍ صاروا فيها. تطخُّ الصحف المستقلة والمعارضة بغزارةٍ عليهم، والشكوى في الشارع من الغلاء مسموعة، والبادي أَن المصريين مستعجلون، يريدون من رئيسِهم وفريقِه وحكومته حل كل المشكلات والهموم العويصة في بلدِهم بسرعة، وإِلا فإِن الإخوان والأَميركان سرقوا الثورة، على ما سمعنا، في تجوالٍ يوميٍّ في وسط البلد في القاهرة أَياماً ستة طيبة بين مصريين محبين رائقين.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة محمود الزيودي جريدة الدستور