أَصاب رئيس حركة النهضة الإسلامية في تونس، راشد الغنوشي، في قوله إِن “السلطة عامل تهرئة، وهناك فرقٌ بين من يُبشِّر بالمثل ومن يمارسها”، وكان موفقاً في تأشيرِه إلى هذا الأمر في إِجابةٍ في مقابلة صحفيةٍ معه، نشرت الأحد الماضي، عن سؤالٍ عما يُشاعُ عن تراجعٍ في شعبية حركته، الشريك الأهم في ائتلاف الحكومة التونسية. هي البديهيّةُ عن يسر المعارضة صعوبة الجكم، وسهولة الوعود وعسرِ تنفيذها، تُؤكِّد نفسَها في تجارب الحكم والإدارة والتسيير وتدبير شؤون المواطنين، والتي استجدَّت في تونس ومصر، خصوصاً، بعد نجاحاتٍ انتخابيةٍ للإسلاميين فيهما، مع التذكير بأن إِسلاميين كانوا تسلموا وزراتٍ خدميةً في اليمن والجزائر، فوجدوا الملفات قدّامهم أَثقلَ مما جدولوا وسطروا على الورق. وإِذ تكتمل، الأسبوع المقبل، مائةُ يوم على رئاسة محمد مرسي في مصر، فالواضح أَنه تسرَّع لما تعهد بأَنها ستكون “نوعية”، سيما وأَنه أََطلق 64 وعداً أعلن أَنه سينفذها فيها، وثمَّة حسبةُ ناشطين تعدُّ ثلاثة فقط من هذه الوعود نفذها فخامته، فيما يرى الدكتور سعد الدين إبراهيم أنه حقق نصف وعوده تلك، “وكان أَكثر توفيقاً في الملف الخارجي”.
قالها الغنوشي عقب نجاح “النهضة” الكبير في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي قبل عام، إِن التونسيين الذي محضوا الحركة ثقتهم سيراقبون أَداءَها في الحكومة وفي المجلس الذي يعد برلماناً مؤقتاً من مهماته إِنجاز الدستور الجديد للبلاد، وبناء عليه ستكون حساباتهم التصويتية في الانتخابات التشريعية التي يفترض تنظيمها قريباً. لا نجاحاتٍ خارقةً للحكومة التونسية التي ترأَسها “النهضة” وتتولى فيها مسؤوليات كبرى، ولا تمحضُ انطباعاتُ الجمهور التونسي الحكومةَ ووزراءَها من الحركة الإسلامية، المضهطدة سابقاً، ومن شريكيها في “ترويكا الائتلاف الحاكم”، رضىً واسعاً، ما لايعودُ، بالضرورة، إِلى ما يُقال عن “قلة الخبرة” لدى النخبة المستجدّة على السلطة هناك، ولا إِلى انعدامِ الإرادة والإخلاص لديها، وإِنما هي الأَعباءُ والتحدياتُ العويصةُ والمهولة، والتي جعلت “الإخوان” المصريين يستفظعون توجّه حكومة كمال الجنزوري إِلى الاستدانةِ من صندوق النقد الدولي، ثم “تفهموا” وصمتوا عن طلب حكومة هشام قنديل الراهنة قرضاً من الصندوق.
إِنها السلطة عامل تهرئة، على ما أَجاد الغنوشي التعبير، ما لا يصدقُ فقط على الإسلاميين حين تأتي إليهم السلطة أَو يروحون إِليها بحماس، بل على كل من ينخرطُ فيها مسؤولاً عن أَوضاع بلادٍ وعباد، أَرزاقهم وسكناهم وتعليمهم. وهذا نجم “اليسار الشعبوي”، على ما يُنعتُ أَحيانا، هوغو شافير، في فنزويلا، يخوض انتخابات رئاسية الأسبوع المقبل، فيما جردةُ حسابٍ، من مناصريه وقاعدته الشعبية أحياناً، تُؤاخذُه، وهو الذي يحكم منذ 1999، على “الخيال في خطبِه الزاعقة”، وعلى زيادة البطالة وانتشار الفساد، وكذلك على ضمور الجيوية السياسية في البلاد في أثناء حكمه، وذلك كله مع التسليم بإِنجازِه خفضاً ملحوظاً في معدلات الفقر. وليس ذكاءً خارقاً من أَنظمة حكم مرتبكةٍ ومنقوصةِ الشرعية حين تعمد إِلى توزير معارضين من ذوي الصوت العالي، ليتورطوا في إِخفاقاتٍ مشهودة، فتتآكل شعبيَّتهم وجماهيريتهم. وليست أَلمعيةً لدى زعاماتٍ مزمنةٍ في مقاعد المعارضة، في غير بلد عربي، إِيثارُها هذه المقاعد على أَن “يحترقوا” وهم وزراءُ معنيون بمرافق خدميةٍ لجمهورهم، وهذا، ربما، من بعض ما بتنا نقرأ عنه في تونس، وما دار، ربما، في ذهن راشد الغنوشي لما جهرَ بأَنَّ السلطة عاملُ تهرئة.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة محمود الزيودي جريدة الدستور