أَدمغةٌ سوريةٌ باهرةٌ في العلوم والتقنية والطب والصناعة، تقيمُ في شتاتٍ عريض، كانت فرصةً ثمينةً لنتعرف عليها، نحن حضور المؤتمر الفكري العلمي السوري التشاوري، في القاهرة الأُسبوع الماضي، والذي يُحمد لتيار بناة المستقبل تنظيمه، بهمّةِ أمين سرِّه إبراهيم الجبين. وضم المؤتمر، أَيضاً، كتاباً وفنانين وناشطين سوريين، واستمع الجميع إِِلى بعضِهم، وتداولوا في محنةِ شعبهم وثورتِه. وفي ورشٍ تحضيرية، توزَّعوا فيها بحسبِ اختصاصاتهم، ناقشوا صيغاً ومشروعاتٍ عمليةً ونظرية، في شؤون سوريا راهناً ومستقبلاً. وكان وجيهاً قول رئيس تيار بناة المستقبل، المهندس وليد الزعبي، في المؤتمر، إِنَّ نقص الخبرات بادٍ لدى بعض من يتناولون الملف السوري الراهن، وأَفاد بأَنَّ مكاتب يشكلها المؤتمر سيعمل السوريون فيها على تفعيلِها، عملياً وتنفيذياً، بخبراتِهم وطاقاتِهم وعقولهم.

لعلها المناسبةُ الأولى التي يلتفتُ فيها تكتلٌ سوريٌّ معارضٌ إِلى غير المشاغل السياسية المباشرة، ويذهبُ إِلى استنفار طاقاتٍ لم تحتمل الاختناق في بلدِها، فغادرته في أَربعة عقود إلى الخارج، وتنشط الآن في تقديم مساهماتٍ تعين بلدَهم في إِسعافه في غضون المحرقة التي يرتكبُها النظام فيه. وتبادر هذه الطاقات، أَيضاً، إِلى تأطير هياكل لبناء مؤسسات سورية، في شؤون التنمية والبنية العلمية التحتية مثلا، لتنهض لاحقاً بسوريا بعد تحررها. وفي المؤتمر “التشاوري” في القاهرة، والذي ترأَس جلساتِه وأَدارها الشاعر نوري الجراح، استمعنا إِلى آمالٍ وطموحاتٍ غير قليلة من أَهل علم سوريين بشأن بلدهم ومستقبله. منهم رائد الفضاء الذي صعد إِلى القمر، اللواء فارس محمد فارس، وقد أَلح على الأَولوية الأَهم بعد انتصار الثورة، وهي إِعادة بناء الجيش السوري الوطني بعدما عمل النظام على تدميره مادياً وأَخلاقياً. وأبلغنا أُستاذ الرياضيات في أَكاديمية العلوم في موسكو، الدكتور محمود الحمزة، أَنه يتعرض ل “إِرهاب” من وزارة الخارجية الروسية التي ضغطت لفصلِه من عمله، بطلبٍ من السفارة السورية، لنشاطِه ضد النظام، وأَشار إِلى وجود “شبيحة” إِعلاميين روس، وشدَّدَ على ضروروةِ بناءِ قاعدةٍ علميةٍ وتكنولوجيةٍ في سوريا. وتحدث أُستاذ الفيزياء النووية والجسيمية والباحث في الضوء الألكتروني في جامعة باريس، الدكتور إِلياس وردة، عن “تكامل” جبهاتِ النضال السياسية والعسكرية والعلمية الثقافية من أَجل إِسقاط النظام. واكتفى عالم الذرة وصاحب الأَبحاث في “النانو” والدراسات في مشروعاتٍ علمية فرنسية، الدكتور نذير الحكيم، بأَن أَكد “ذهاب الطغمة الحاكمة في دمشق قريبا”. وأَضاءَ للحضور، الدكتور عدنان وحّود، على تجربتِه في العمل الإغاثي التطوعي في شمال سورية في الأَشهر الماضية، وقد عبر إِلى هناك قادماً من أَلمانيا التي يُقيم فيها منذ 40 عاماً، ونقل إِليها علوم النسيج الدمشقي، ومنعه النظام السوري من دخول بلده منذ 30 عاماً. وقال إِنه شاهد في جولاتِه الإغاثية التطوعية أَطباءُ وكفاءاتٌ اجتماعيةٌ باهرة. وآثر الروائي الصديق خليل النعيمي، وهو الطبيب الجراح في مستشفى جامعي في باريس، دعوةَ السوريين إِلى إِعادة النظر في تاريخهم الشخصي، “تاريخ البلادة والقمع”، ووضعِه ضمن تاريخ المجتمعات الطبيعية. وفي محلِّها كانت دعوتُه من يتحدّثون في المؤتمر إِلى التوقف عن ارتكاب الأخطاءِ اللغوية الفادحة.

أَسماءٌ سوريةٌ وعربية أُخرى، تشتغل في الفنون والكتابة والنشاط المدني، كانوا في المؤتمر، النوعيِّ وإن كان “تشاورياً”، والذي أَراده منظموه عتبةً مضافةً في البحث عن سوريا جديدةٍ، ناهضة وحرةٍ وتعددية، كما تُنادي ثورةُ شعبِها، الظافرة قريباً إِنْ شاءَ الله.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   محمود الزيودي   جريدة الدستور