شدَّدَ محمد حسنين هيكل، في مقابلةٍ تلفزيونيةٍ معه الخميس الماضي، على ضرورة أَنْ يُكملَ الرئيس المصري، محمد مرسي، سنواتِ ولايتِه الأَربع. والبادي أَنَّ الكاتب الكبير يشعر أَنَّ عواصفَ سياسيةً وأَمنيةً واجتماعيةً قد تُخرجُ مرسي من القصر الجمهوري قبل أَنْ تكتملَ سنوات رئاسته، وهذا شعورٌ تُعزِّزه أَسبابٌ وجيهة، ليس فقط للمشكلاتِ الهائلة التي تُغالبها مصر، والآمال العريضة في حلّها في زمن الثورة، ولا بالنظر إِلى حدّةِ المعارضة التي تتسع، وتُواجه مرسي و”الإخوان المسلمين”، بل، أَيضاً، لأَنَّ الرئيس المنتخب بارعٌ في توريطِ نفسِه بإشكالاتٍ أَكبرَ من قدرتِه وطاقتِه، ولا تقوى عليها إِمكاناتُه الشخصية، والقياديّة، وتنقصُه الحذاقةُ السياسيةُ في معالجتِها.

ولأَنه مدهشٌ في تحشيد أَسبابِ الخصومةِ معه، وزيادةِ مناوئيه وتكتيلهم، حين لا يصيرُ مقامُه الرفيع وفاقياً، وخلاقاً في مراكمةِ المشتركاتِ بين القوى السياسية، بدل البحثِ عما يُفرِّق ولا يَجمع، وعمّا يُضاعفُ المسافاتِ بين المختلفين، فلا يُرخي الحبال، ما أَمكن، لتقريبِ تلك المسافات، وتضييقِ مساحاتِ الاصطفافات.

حين يتراجع مرسي، بعد ضغوطٍ شعبيةٍ وأَهلية وازنةٍ عليه، عن قراراتٍ باتت غير قليلة، فذلك لأَنَّ ثمة مقادير غزيرةً من الارتجال في اتخاذِه قراراته. وحين نُفاجأ أَنَّ نائبه، المستشار محمود مكي، وهو قاضٍ كبير، يعرفُ بإعلانٍ دستوريٍّ ثقيلٍ من نشرةِ أَخبار تلفزيونيةٍ في فندق في إِسلام أباد، فذلك من بعضِ ما يُثيرُ زوبعةَ أَسئلةٍ عن طرائقِ صناعة مرسي خياراتِه وإِجراءاتِه، سيّما وأَن نصفَ مستشاريه الخمسة عشر دوهموا بالإعلان، كما أَيُّ سائق ميكروباص في سوهاج. والأَدهى أَنْ تغيبَ أَيُّ مقادير من الخيال السياسي والابتكار القيادي لدى مرسي، ومن معه ووراءَه، تحولُ دون أَنْ تصلَ حال جمعيةٍ تأسيسيةٍ لصياغة الدستور إِلى ازورار نقاباتٍ وفاعلياتٍ فكريةٍ وشخصيات عامة، وكذا الكنيسة المصرية. ولا نقعُ في شططٍ أَو تزيدٍ في ذهابنا إِلى أَنَّ القضية هنا مطرحُها، وليس في بدعةِ الإعلان الدستوري الذي أُلغي بآخر الليلة قبل الماضية. يُؤتى، هنا، على هذا، وفي البال أَنَّ مرسي كان خائفاً من المحاكم وقُضاتها على الجمعية المذكورة أَكثر من حرصِه على الخروج بمسودةِ دستور متوافقٍ عليها بين المصريين، وهذا خطأ جسيم، لعله الأَكثرُ بؤساً بين الأَخطاءِ التي يُراكمها الرئيس المصري، منذ ورَّط نفسَه بوعودِ المئة يوم، مروراً بإِشهارِه نسبَ نجاحٍ في تنفيذِ هذه الوعود، ومنها ما يتعلقُ بإِزالةِ القمامة في شوارع مصر ميادينها، ولا يُغفل هنا عن زهوِه بانخفاض أَسعار المانجا في أَوائل عهده.

لم ينجح محمد مرسي في إِزالةِ الانطباع الذي يتعزَّز في مصر، خاطئاً أَو صحيحاً، أَنَّ جماعة الإخوان المسلمين تستقوي على من يُخالفونها التوجهات والبرامج والخيارات السياسية والوطنية، في عدم وفاءِ رئيس حزبها الحرية والعدالة السابق، رئيس مصر الراهن، بوعدِه تعديل تركيبة الجمعية التأسيسية الثانية، واستعجالِه إِنهاءَ مسودة الدستور كيفما اتفق، للذهابِ بها إِلى استفتاءٍ يبدو متأكداً من نتيجتِه الإيجابية. ولم ينجحْ في إِشعارِ مواطنيه بأَنَّ مشاغله وأَولوياته الحدُّ من الفقر وتقليل البطالة، وإِطلاق مشروعات كبرى في التنمية والنهوض والتقدم في الزراعة والصناعة، فقد أَشاعَ بينهم أَنَّ أَولويته الأهم إِفلاتُ جمعية صياغة الدستور الذي يتحمَّس له “الإخوان المسلمون” من حلٍّ بحكم قضائيٍّ، وهذا، لعمري، من أَسبابٍ تتراكم، خطأً بعد خطأ، تُضاعفُ الشكوك في إِكمال مرسي ولايته، فقال هيكل ما قال.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   محمود الزيودي   جريدة الدستور