عامان عمرُ المركز العربي للأَبحاث ودراسة السياسات (مقره الدوحة)، إِلا أَنَّ إِنجازاتِه وبحوثَه ودراساتِه واستطلاعاتِه ومؤتمراتِه وإِصداراتِه وتقاريرَه وورشاتِه وندواتِه وبرامجَه تدلُّ على مكانةٍ خاصةٍ له حقَّقها في عاميْه هذين، بين مراكز الأَبحاث العربية والأَجنبية، سيما وأَنَّ نشاطاتِه ومخرجاتِه تتصفان بجديةٍ علميةٍ وصرامةٍ منهجيةٍ ملحوظتيْن، وهي تُعنى، أَساساً، بتشخيص الأَوضاع في العالم العربي وتحليلِها، دولاً ومجتمعاتٍ، وبدراسةِ علاقات العالم العربي ومجتمعاتِه مع محيطِه، وأَيضاً، بطرح التحديّات التي تُواجه الأُمة على مستوى المواطنة والهوية، وقضايا أُخرى تتصل بهذه العناوين والمضامين العامة. ويمكنُ الزَّعمُ أَنَّ نجاحَ المركز في رهانِه على أَنْ يكونَ مؤسسةً بحثيةً علميةً في مقاربة ذلك كله، وحيويّته في ملاحقةِ التغيراتِ والمنعطفاتِ العربية، السريعةِ الجديدة منها خصوصاً، لا يعودان إِلى التمويلِ الذي يتمتع به، بل، على أَهمية ذلك، إِلى الرؤيةِ التي يصدرُ عنها المركز في مناشطِه، ومنها الميدانية والنظرية والتحليلية، وهي رؤية ترى المنطقةَ العربيةَ بصفتها هذه أَولاً وقبل كل شيء، وتنصرفُ إِلى الجهد العلميِّ والأكاديميِّ لصياغةِ خطابٍ يقفُ على قضايا المجتمعات العربية الراهنة، وما تُغالبُه من تحدياتٍ ومشكلاتٍ غير هينة. وإلى هذا الأَمر، يعودُ النجاحُ المشارُ إِليه، أَيضاً، إِلى الإدارة التي تشرفُ على المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ممثلةً بمديره العام، الدكتور عزمي بشارة، وفريق مجلس الإدارة الذي يضم مفكرين ومثقفين وباحثين عرباً. والأَميز في هذه الإدارة، وفي الإشراف المتواصل على العمل والإنجاز، التواصلُ النشطُ بين المركز والمختصين العرب في العلوم الاجتماعية والسياسية، ما ينعكسُ في الإنجاز المتنوع، والذي لا شططَ في وصفِ كثيرٍ منه بالإبداع والابتكار.

في وسعِ من يرى حماساً زائداً بشأن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أَنْ يزور موقعَه في الإنترنت، ليقف على التنوع المشار إِليه في التقارير والملخصات والدراسات والتشخيصات، وكذا في استطلاعاتِ رأيٍ عام، وفي مروحةِ القضايا التي خاضت فيها هذه الدراسات، بشأن غير بلدٍ وإِقليم وموضوعٍ ومجتمع، في شؤون السياسة والشباب والبيئة والتكنولوجيا وغيرها. ومن الأَخلاق المطلوب تعزيزُها في الأَدبيات والثقافة العربية تقدير المنجزاتِ المتميزةِ في مختلفِ الحقول، والتنويه إِلى أَهميتها، وإِنْ بتأشيرٍ إِلى ما يمكن نقدُه وانتقادُه فيها، مع التحرّر من الإِحالات والمسبقاتِ الشغوفةِ بالاتهاميةِ والارتياب، والمولعة بالنمائم من النوعِ الرائجِ في مصاطبنا العربية.

مناسبةُ تثمين العبءِ الذي ينجحُ، بهمةٍ ملحوظةٍ، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، هنا، مبادرته إلى عقد المؤتمر السنوي لمراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الوطن العربي، والذي ينتظم في الدوحة منذ السبت ويختتم غداً، ويجمعُ مدراءَ وباحثين من 70 مركزاً عربياً، واستمعَ المشاركون فيه، وضيوفه، ومنهم كاتب هذه السطور، إِلى أَوراق عمل محكمةٍ وجديةٍ وجديدة، بشأن هذه المراكز وأَوضاعِها ومخرجاتِها، وتتأَكَّد في معظمها حقيقةُ الفجوةِ القائمةِ بين عمل مراكز البحوث العربية وصناع القرار، فضلاً عن الحاجةِ الملحةِ لهذه المراكز لأَنْ تتمتَّع باستقلاليةٍ أَكاديميةٍ واجبة، ولأن تتوفر على القدراتِ والكفاءاتِ ذات المصداقيّة العلمية. ولعلَّ هذا المؤتمر يعدُّ الأَول من نوعه، وجاءَت مهمةً في افتتاحِه دعوةُ الدكتور عزمي بشارة إِلى إِنشاءِ شبكةٍ لمراكز الأَبحاث العربية، وجاءَ مهماً، أَيضاً، أَنْ ينشغلَ المؤتمر، في يومين من أَيامه الثلاثة، ب “تحولاتٍ جيوسياسيةٍ في سياق الثورات العربية”، بمشاركةِ جمهرةٍ واسعةٍ من الخبراء والباحثين ورجال العمل العام العرب، وتأتي على جلساتِه وأَوراقه وقفةٌ تاليةٌ لاحقاً.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   محمود الزيودي   جريدة الدستور