أَما وأَنَّ عناصر من الجيش السوري الحر وجبهة النصرة دخلوا -أَو اجتاحوا بحسب بعضهم- مخيم اليرموك، فذلك يُجيز للنظام السوري، بطيرانِه ومدفعيته، أَنْ يُعالج أَمرَهم عسكرياً،وقد أَرادوا استثمارَ المخيم في حملةِ التحريض والافتراءِ ضد النظام، وجعله مادةً إِعلاميةً تشهيرية.

وما كان لم يتعدَّ غارةً جويةً يتيمةً، حقَّقت غرضها بإِرسال رسالةٍ إِلى هؤلاء وغيرهم بأَنْ يلعبوا خارج المخيم الذي تستحقُّ الجبهة الشعبية القيادة العامة التقديرَ لتحملها عبء الدفاع عنه، فيما تتعرَّضُ لحملةٍ مضللة.

هذا ما جرى في المخيم الفلسطيني في الأيام الماضية، بحسب كاتبين عزيزين، أَحسدهما على مقاديرَ غزيرةٍ لديهما من حسن الظن بنظام دمشق، وأن لا يصرحان بذلك، بل يعمدان إلى إيضاح ما يفترضانِها تفاصيلَ ما حدث ووقع، لئلا يقع جمهور قرائهما ضحية أَضاليل عراب “أوسلو” ياسر عبد ربه، مثالاً.

ما نمى إِلى علم عديدين، ليس منهما زميلاي، أَنَّ مخيم اليرموك ( 680 نسمة بعضهم سوريون) استضافَ في الشهور الماضية نصف مليون لاجئ سوري من مدنهم وأريافهم، أَي ثلث مهجري الداخل.

وأَنَّ المظاهر المسلحة فيه نشرتها ميليشياتٌ لجبهة أحمد جبريل سمَّت نفسها “لجانا شعبية”، تتحمل مسؤوليةً كبرى في توريط المخيم في الصراع السوري، حين أَقامت حواجز فيه، ووزَّعت قناصةً منها فوق بناياتٍ عديدة، وقتلت فلسطينيين وسوريين مدنيين، تشتبه بعدم ولعهم ببشار الأسد، وقبضت على نشطاءَ سوريين وسلمتهم إلى المخابرات.

أَراد الجيش الحر التخلص من هذا العدو، فدخلت عناصرُ منه ومن جبهة النصرة المخيم. ولأَن النظام السوري يحترفُ القتل كيفما اتفق، أَغارت طائرة ميغ من طيرانِه الذي قيل لنا إنه للتوازن الاستراتيجي مع إِسرائيل على مدرسةٍ ومسجد في المخيم، كانا يأويان لاجئين فلسطينيين ونازحين سوريين، فقضى ضحايا عديدون تحولت جثثهم أَشلاء. ثم دمرت، تالياً، قنبلةٌ فراغيةٌ مربعاً في المخيم، وأحالت بيوتَه ركاماً، كان سكانها وأَهلها قد غادروها، في نزوح نحو 100 ألف فلسطيني من المخيم بعد جريمة الميغ تلك، وعقب ضربة الفراغيّة هذه.

أَما حكاية نأي الفلسطينيين في مخيم اليرموك عن الجاري بين ظهرانيهم، فتحتاج تعقيباً، إِذ ليس لديهم ذاكرة طيبة مع نظام آل الأسد الذي لم ينجح في إِقناعهم بممانعته وسعيِه إلى تحرير فلسطين، ففي البال أَنهم رفعوا ياسر عرفات وسيارته على أَكتافهم لما باغتَ المخيم ساعة إفطار رمضاني قادماً لقراءة الفاتحة على الشهيد أَبو جهاد، وكان الطخُّ الإعلامي، (التحريض والافتراء والتشهير) عليه كثيفاً في تلك الغضون.

ولا يمكنُ بأَيِّ حال نزع مشاعر الناس، فالذين تظاهروا من أَهل المخيم، الصيف الماضي، تضامنا مع ضحايا مذبحة التريمسة، كانوا يتضامنون مع أَهلهم، ولهذا عاقبهم النظام القاتل وجبهة جبريل بالرصاص، فقضى ثمانية منهم.

ليلعن أَصدقاؤنا ممن لا يرون ثورةً في سوريا يجب أَنْ تنتصر على طغيان نظام لا يُحتمل سنسفيل جورج صبرة وياسر عبد ربه كما يشاؤون.

ولكن، يغشانا أَسىً ونحن نقرأ ما يكتبون، خلواً من أَيِّ كلمةِ انتقادٍ لتوحش النظام الذي ينفردُ وحدَه بين أَنظمة الكون باستخدام الطائرات والقنابل الفراغية ضد “إِرهابيين” من شعبه.

لو ينتبهوا، إِذا أَمكن، إِلى ما هو إنساني في المشهد، فيتخففوا، وهم يتصيّدون أَخطاء المعارضة السورية المسلحة وخطاياها (غير القليلة) من افتراض كل هذه الطيبة في النظام السوري، والذي أَثبت، بجدارةٍ، أَنه قوةُ احتلال هناك.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   محمود الزيودي   جريدة الدستور