وحدَه سوءُ الظن، وهو من حسن الفطن أَحياناً، يجعلنا نشعرُبأَنَّ الحكم في دمشق مغتبطٌ بالاعتداءِ الإسرائيلي، الأُسبوع الماضي، على موقعٍ عسكريٍّ في الأَراضي السورية، فقد بادر إِلى الإعلان عنه، وكان في وسعه أَن “يغرش”،أَويُشغلنا بتسريباتٍ في هذه الجريدة وتلك، بل عمَد،أَمس، إِلى بثِّ صور تلفزيونية لآثار الاعتداءِ الذي قال إِنه استهدفَ مركز أَبحاث للجيش، فيما تردَّدأَنَّ الضربة كانت على قافلةِ أَسلحةٍ متوجهةٍ إلى حزب الله في لبنان. ومبعثُ الغبطة، المفترضة هنا، أَنَّ البيان الذي صدر عن دمشق وصفَ الموقع المستهدف بأَنه “أَحد مراكز البحث العلمي المسؤولة عن رفع مستوى المقاومةِ والدفاع عن النفس”، ما قد يُؤَشِّر إِلى أَنَّ إِسرائيل ما زالت معنيَّةً بضرب سوريا وإمكاناتها الدفاعية والمقاومة.
وإِذ لا تنشغلُ هذه السطور باستدعاءِ الأرشيف، إياه، عن عطالةِ هذه الإمكانات في غير واقعةٍ، سيما عندما مشَّطت مقاتلاتٌ إِسرائيليةٌ أَجواءً سورية، من سواحلها إِلى شرقها، ومرَّت على مطارين عسكريين، قبل أَنْ تضربَ في دير الزور، وإِنما تنتبه إِلى منابتِتلك الغبطة، المفترضة طبعاً ودائماً، في إِتيان البيان على أَنَّ “العصابات الإرهابية” كانت قد فشلت في الاستيلاءِ على مركز الأبحاث العسكرية، والإيحاءُ مفضوحٌ هنا، بأَنَّ إِسرائيل يسَّرت للإرهابيين ما عجزوا عنه، لكنَّ إِيحاءً أَشدَّ فضيحةً يتبدّى في القصة، هو أَنَّ قدرة النظام على دحر “الإرهابيين”، في ريف دمشق بالمناسبة، متحقّقة، فيما عجزُه عن صدِّ أَيِّ عدوانٍ إِسرائيلي مؤكد، وإِنْ أُريد لنا أَنْ نشتري ذلك الكلام الخفيف عن ردٍّ ووقتٍ مناسبين، أَو مثيلِه لمسؤول عسكري إِيراني رفيعٍ لما قال: إِنَّ لضبط النفس السوري نهاية.
أَحسن المجلس الوطني السوري المعارض في إِشهارِه إِدانةً واضحةً للعدوان الإسرائيلي، مع تظهيرِه عجز النظام عن حماية سورية. وأَحسنت شخصياتٌ سورية معارضة عندما نأت بنفسِها عن الشماتةِ بالنظام، والتفتت إِلى إسرائيل باقيةً في مكانها عدواً لكل السوريين. أَما السلطةُ القاتلةُ في دمشقفقد أَثارت السخرية والحزن معاً، عندما أَرادتاستثمار العدوان في توجيه الأَبصار إِلى أَنَّ إِسرائيل منشغلةٌ بالمقاومة التي تتمتع بها، وفي زعمها التقاء الأَغراض الإسرائيلية العدوانية مع أَهداف الثوار السوريين. والأَمران يُسوغان سوءَ الطوية في هذه السطور، في ظنِّها عن غبطةٍ تغشى حكام دمشق بضربةِجرمايا وتوقيتها الذي، يا للبهجةِ أَيضاً، تزامنَ مع إِشهار معاذ الخطيب قبوله حواراً مشروطاً مع ممثلين لهؤلاء. والرجلرئيس “ائتلاف الدوحة”، كما مسمّى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في إِعلام بشار الأَسد، والشغوفين بالأخير ونظامه الهزبر في عروبيَّتِه وممانعته.
دلَّ على البهجةِ المشار إِليها، المفترضة أَيضاً، أَنَّ جريدةً حكوميةً رأَت في قول الخطيب دليلاً، (مضافاً؟)، على تشرذم معارضة الخارج المتآمرة وانقساماتِها. وإِذ لم يحفل، حتى اللحظة، أَيٌّ من مراجع السلطة بأطروحة الرجل، فليس متوقعا أَنْ تلقى ما تستحقه من استقبالٍ واهتمام، وربما تُرمى بشأْنها بالوناتٌ ما، بطلبٍ روسيٍّ غير مستبعد. والأَهم، في الأَثناء، أَنَّ مطرحاً للسياسة صار ممكناً دخولُ المعارضة السورية، ممثلةً بالائتلاف، إِليه، وإِنْ يبقى المشتهى أَنْ تيسر السلطةُ لهذا المطرح اتساعاً مطلوباً، فتتوقف عن تجريدِ حملاتها العسكرية، والتي تنشطُ بها بهمّةٍ وكيفما اتفق، من دون اعتبارٍ لبشرٍ وحجر، فيما يرطنُ بعضُهم، من دون ملل، إِنَّ”الناتو” والخليج وتركيا هم من يقتلون ويدمرون.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة محمود الزيودي جريدة الدستور