بادرةٌ طيبةٌ من الرئيس الإيراني، محمود أَحمدي نجاد، زيارتُه الأَزهر في القاهرة، ومحمودٌ من شيخ الأَزهر، الدكتور أَحمد الطيب، أَن نجاد سمع منه، بحضور هيئةِ كبار العلماءِ في الصرح الإسلامي السنّي، انتقاداتٍ واضحةٍ لسياساتٍ إِيرانيةٍ في غير ملفٍ عربي،وحديثاً عن “عقباتٍ حقيقيةٍ تحولُ دون التلاقي الكامل والتوحّد الكامل بين السنة والشيعة”، من قبيل تعريض علماء شيعةٍ بزوجاتِ الرسول وبعض الصحابة، وكذلك عمل إِيران على تشييعٍ في بلادٍ عربية. ونظنُّها المناسبةَ الأولى التي تتيسَّر فيها مصارحةٌ جديّة من هذا النوع. ويُحسبُ للأَزهر أَنه فيما يُشدّد على وحدة المسلمين وتلاقي مذاهبهم، فإنه أَوصلَ رسالةً جوهريةً إِلى القيادةِ السياسيةِ الإيرانيةِ تشتمل على ما صار يهدد هذه الوحدة، سيّما في العشريةِ الأخيرة، وقد بلغت فيها مسافاتُالتباعد بين الشيعة والسنة تخوم الشقاق، يدلُّ عليها انعدامُ التواصل بين مراجع الجانبين وأهل الدراية بالإسلام وأُصوله ومذاهبه، ما يعودُ إِلى مناخٍ سياسيٍّ متوتر، وممارساتٍ فوقية إيرانية واستقوائية ظاهرةٍ على العرب، وعلى أَهل السنة، أَو هكذا نستقبلها. ويعود هذا الحالُ، أَيضاً، إلى نفوذٍ لها تعملُعليه طهران، بهمةٍ، في العالم العربي، في الخليج والعراق ولبنان واليمن خصوصاً، ويزيد إِسنادُها حملةُ نظام دمشق العسكرية على الشعب السوري، التباعد، ويضاعفُ سوءَ صورة إِيران في الرأي العام العربي.
مأْمولٌ أَنْ يُشكل لقاءُ أَحمدي نجاد وعلماء الأزهر عتبةً أُولى في تدشين حوارٍ معمق بين علماء السنة والشيعة ومراجعهم.ويُشار إِلى هذا الأمر، من دون أَوهامٍ تتعامى عن جدرانٍ ثقيلةٍ بين الجانبين، لأَسبابٍ لم تكن قائمةً في أَذهان شيوخ الأَزهر السابقين حين عمدوا مبكراً، في الستينيات وقبلها وبعدها، إِلى تدريس المذهب الشيعي، وإِلى تنظيم مؤتمرات التقريبِ معه. كما أَنَّها أَسبابٌ ليست في خواطرِ علمائنا ومشايخنا ممن كانوا يؤازرون إِيران في ملفاتٍ وقضايا غير قليلة، وممن ظلوا يتقاطرون على طهران في ملتقياتٍ فكرية وتعبوية، وممن بقيت هواجسُهم تنشغلُ بالتقريبِ والبحثِ عن القواسم والجوامع المشتركة، وهي كثيرة، حتى صارت تتواتر تقارير موثقةٌ عن جهدٍ تنشطُ فيه الأَجهزةُ الإيرانية لتشييع عربٍ سنةٍ في بيئاتٍ فقيرة، وصار تطاولٌ كلاميٌّ متكررٌ عن البحرين مع تدخلٍ في شؤونها يُذكِّر بالأَطماع الشاهنشاهية إِياها في هذا البلد العربي، وصارت منظماتٌ حقوقيةٌ دوليةٌ تُعرِّف بتزايدِ ممارساتِ التمييز التي يتعرَّض إِليها أَهل السنة في إِيران، وحرمانهم، سيّما في الأحواز، من حقوقهم الدينية والثقافية.
وجه الرئيس نجاد، أَول من أمس، دعوةً لعلماء الأَزهر لزيارة “بلدهم الثاني” إِيران، وسيكون مبعث غبطةٍ لدى عمومنا، نحن العرب، مع مساندتنا طهران في مواجهة الاستهدافات الأَميركية والإسرائيلية لها، أَن تتم الزيارة، بعد أَن تتوفر لها أَسبابُ النجاح المشتهى، من قبيل إِنهاء التشوش المتواصل بشأْن تأكيد مراجع دينية وسياسية على احترامِ الشيعة النبي محمد (ص) وصحابتَه وزوجاته (والبخاري) فيما يُشاع أَنّ الأمر ليس كذلك. ونحسبُه في محله طلب شيخ الأزهر من الرئيس الإيراني أَنْ تُصدر المراجع الدينية الشيعية فتاوى تُحرِّم وتُجرِّم سبَّهم وشتمَهم “حتى يمكن لمسيرة التفاهم أَنْ تنطلق”. .
نظنُّ أَنَّ الأَزهر وعلماءَه وضعوا،في لقاء نجاد، الكرةَ في مطرحها، ويكون خيراً وفيراً لو استلموها في إيران بنيّةٍ وإِرادةٍ طيّبتين، فننتظر جهداً مشتركاً في سبيل إِنقاذ الأمة الإسلامية من شقاقٍ سنيٍّ شيعي، يُراد أَنْ يكون حريقا طائفياً.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة محمود الزيودي جريدة الدستور