لم يكن بشار الأَسد يمزح لمّا طلب من صحافية «صنداي تايمز» أََنْ تُعدّد له أَسماء الـ 70 أَلف سوري، قضوا في المقتلة المتواصلة منذ عامين في بلدهم، فالرجل لا يدري شيئاً عن مدنيين يسقطون يومياً، وقناعته أَنَّ الأخبار عنهم كاذبة ومفبركة، ولا أَحدَ من خدّامه يبلغونه شيئاً عن الضحايا الذين لا يُؤرقه أَنْ يعرف الحقائق عنهم. ولا تكترثُ مؤسسات الجكومة السورية وأجهزتها بالقصة كلها، فلا تقوم بأَبسط واجباتها، كالتي كانت تؤديها حكومات حسني مبارك وزين العابدين بن علي وعلي عبد الله صالح، حين كانت وزارتا الداخلية والصحة فيها، والمستشفيات أَحيانا، تُعلن يومياً أَعداد قتلى وجرحى الأَحداث المؤسفة، بحسب تسميتها حراك ثورات مصر وتونس واليمن، فكانت تلك الحكومات، وما زالت، مصادر معرفتنا بأَعداد الشهداء والمصابين، الأمر الذي تشذُّ عنه حكومة بشار الأَسد، والتي تقتصر بياناتُها، أحيانا وليس دائماً، على من يقضون من الجيش والأَجهزة الأَمنية، من دون الشبيحةُ الصرعى.

أَما وأَنَّ الأمر كذلك في سلوك سلطةٍ تفترض نفسَها صاحبةَ ولايةٍ على شعبٍ يتعرض لإرهاب عصاباتٍ مسلحة، فيصير طبيعياً أَنْ يستخفَّ بشار بأَيِّ كلامٍ عن 70 أَلف من مواطنيه قضوا في أَتون حربه الراهنة، عقاباً للشعب السوري على انتفاضته المستمرة ضد نظام التجبر والقهر. ونظنُّ أَنَّ رئيس النظام المذكور حين يهزأ من الأرواح التي أَزهقتها آلته الحربية، يجعلُ توثيق أَسماء الشهداء واجباً شديد الإلحاح، ويجعل ضرورةً قصوى لحمايتهم من النسيان والإهمال، وكذا ووقائع استهدافهم، في قصفٍ ورمي وذبح بالصوايخ والراجمات بالرصاص والسكاكين، وبغير ذلك ممّا تبرع فيه عصاباتُ الحكم القاتلة هناك. ونحسبُ أَنَّ الجهد الذي تُبادر إِليه، في هذا الخصوص، تنسيقياتٌ ومجالسُ محلية تنتسبُ إِلى الثورة السورية، بالغ الأَهمية والاستثنائية، سيما وأَنه يتمُّ في ظروفٍ صعبةٍ وعويصة. وحسناً فعلت واحدةٌ من هذه التشكيلات لما أَعادت نشر ما يتوفر لديها من أَسماء شهداء، فور التنكير والتجهيل اللذين عمد إِليهما بشار الأسد، من دون أَيِّ احترامٍ لجلال الموت، حين فاجأَ مراسلة الصحيفة البريطانية بذلك الطلب الغريب .

واجبٌ كبيرٌ على عاتق نشطاءِ المعارضة السورية، بكل تكتلاتها، أَنْ تتعاون في تنسيق متواصلٍ بشأن تدوين هذه الأسماء، وحفظ صور أَصحابها ما أَمكن، وتدوين المرويات عن وقائع موتهم وخكاياته، وذلك لإشهار هذا كله لاحقاً في ميادين وشوارع ومتاحف سورية، في نصبٍ وجدارياتٍ ولوحاتٍ خاصة، وفي كيفياتٍ مبتكرةٍ أُخرى. هكذا فعل أَهل البوسنة والهرسك حين وثّقوا أَسماء نحو ثمانية آلاف من بني جلدتهم ودينهم قضوا في اعتداءات الصرب وجرائمِهم في الحرب المعلومة، وحدثَ أَن تشكيلاتٍ أهليةً هناك عرضوا جبلاً من أحذية عديدين قضوا في جرائم حرب، في غير مناسبةٍ وأَمام الإعلام العالمي. وكان جميلاً من حركة حماس في غزة أَنها دوَّنت أسماء الشهداء الـ 1411 في العدوان الإسرائيلي على القطاع، قبل أَزيد من أَربعة أَعوام، على نصبٍ تذكاري. وكانت بادرةً غير منسيةٍ قام بها مركز خليل السكاكيني في رام الله حين نظم معارض، في غير عاصمة عربيةٍ، لحاجياتٍ شخصية لأول مائة شهيد في غضون الانتفاضة الثانية. ونظنُّ أَن مبدعين سوريين سيبتكرون صيغاً غير قليلةٍ تُخلد أَسماءَ شهداءِ ثورة عظيمةٍ صبورةٍ ومغدورة، قضوا بقذائف بشار الأسد وصواريخه وسكاكين شبيحته، ثم يستهبل العالم بشأن عددهم.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   محمود الزيودي   جريدة الدستور