لا مفاجأَةَ في تجديد قيادات حركة المقاومة الإسلامية، حماس، الثقةَ برئيس المكتب السياسي، خالد مشعل (57 عاماً)، باختيارِه بالتزكية في الموقع الأَول في الحركة، لمرةٍ أَخيرةٍ من أَربع سنوات مقبلة، كما قرأنا، تُضافُ إِلى 17 عاماً مضت، قاد فيها “حماس” في ظروفٍ وعواصفَ عويصة.
وأَول ما تُؤشِّر إِليه هذه التزكية أَنَّ الحركة الإسلامية، والوطنية الفلسطينية، قادرةٌ على تعظيم المشتركاتِ فيها، وتغليبها على أَيِّ خلافاتٍ أو اختلافات، وأَنها بارعةٌ في تطويق أَيِّ نذرٍ تأخذُها إِلى أَي شقاقٍ مرذول.
والبادي، أَيضاً، أَنَّ الحركة ما زالت تولي فاعليات الخارج المكانةَ القياديّة الأولى، وتدرك أَنَّ الكلام العاطفيَّ عن أَحقيّة المناضلين في الداخل الفلسطيني، في غزة غالباً، لا نفعَ منه عملياً وإجرائياً، سيما وأَنَّ معارك حماس السياسية، وكذا تمكينها من الحضور والتأثير، عربياً وإقليميا، يستوجبان حيويةً نشطةً في التحرك هنا وهناك، ما ليس ميسوراً لمحمود الزهار، مثلاً، أو لغيره من زعاماتِ الحركة في فلسطين. وأَنْ يُقال إِنَّ ضغوطاً قطريةً وتركيةً، وربما مصريةً أَيضاً، ساعدت في ثني خالد مشغل عن رغبته الانصراف عن مقعده، فإنَّ للاستجابة لهذه الضغوط نفعاً يفوقُ إِدارة الظهر لها.
وأَياً كانت المواقفُ من اجتهادات “حماس” وخياراتها، ومن فعلتها الانقسامية في غزة أَيضاً، فإن خالد مشعل أَثبت، في غير محطةٍ وواقعة، أَنه عنوان الواقعية والمرونة، والاعتدال ربما، في الحركة، ومحمولاتُ هذه المفاهيم هنا مغايرة عنها لدى تشكيلاتٍ وكيانات وتنظيماتٍ أُخرى. ولأَنَّ تفويضاً جديداً وقوياً يحوزه أبو الوليد، في تزكيةِ اجتماعات القاهرة الأسبوع الجاري، فالمأمولُ أَنْ تندفع هذه الواقعية باتجاه حسمٍ، شديدِ الإلحاح والوجوب، فيما يخصُّ إِنهاء الانقسام المعلومة نتائجُه الشنيعةُ على الحالة الفلسطينية، فلا ترتهن “حماس” لحساباتٍ فصائلية ونفعية، ولرهاناتٍ على مفاعيل خارجية، ولا تستسلم لحساسياتٍ ومناكفات تافهة، في معالجةِ هذا الشأن الوطني. ويأتي تأكيد أَولوية هذا الأمر، هنا، على أَيِّ مسألةٍ أُخرى، صدوراً عن قول مشعل، غير مرة، إِنَّ أَخطاءً وقعت فيها حركته في سنوات الانقسام الماضية، كما “فتح” طبعاً، على ما أَوضح محقّاً، وصدوراً عن قناعتِه بأَنَّ المصالحة خيارٌ استراتيجيٌّ لدى “حماس”، على ما أَعلن مراتٍ، سيما أَمام مستمعي خطاباتِه في أَثناء زيارته غزة ديسمبر الماضي.
ولأنَّ أَهل مكة أَدرى بشعابها، فإِنَّ قيادات “حماس” أَدرى بالإشكالاتِ غير الهينة التي تُغالبها حركتهم، إِنْ على صعيد مؤاءمةِ خطابٍ أَكثر انسجاماً بين خيار التهدئة مع إِسرائيل ومشروع المقاومة الذي تُسوغ به “حماس” مشروعيّتها، سيما وأَنَّ هذا المشروع بات في حاجةٍ إِلى تبيان تفاصيلِه وسقوفه وأَدواته، ما يعودُ في بعض أَسباب ذلك إِلى الضرباتِ الثقيلة التي استهدفت بها إِسرائيل حركة حماس وقياداتِها ومجاهديها، إِنْ بجرائم الاغتيال والاعتقالات والحروب العدوانية أَو غيرها.
وتبقى الحركةُ مطالبةً دائماً، سيما في راهن الإيقاع العربي المستجد، بإِشهار رؤىً وتصوراتٍ أَكثر وضوحاً فيما يخصُّ مسائل الحرية والديمقراطية وتداول السلطة، بعد أَنْ دلَّت تجربة استفرادِها بالقرار في قطاع غزة على سوءاتٍ كثيرةٍ في الممارسة وتدبير شؤون العباد، ما يُبرر عدم اطمئنان قطاعاتٍ عريضةٍ من الفلسطينيين إِلى سلطةٍ يمكن أَنْ تؤول إِلى حماس، وإِنْ في انتخاباتٍ شفافةٍ ونزيهة. نظنُّ المسألة واحدةً من بين زوبعة قضايا، طيّبٌ أَن تنتبه إليها الحركة الإسلامية في طورها الجديد، بقيادة متجددةٍ بتزكيةٍ مقدرة لرجلها الأول، خالد مشعل.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة محمود الزيودي جريدة الدستور