لا تزيّدَ في وصف ما يقترفُه حزب الله في نفسِه، وفي تبديدِه مكانتَه حزبَ مقاومةٍ، بأنه انتحارٌ معلن، إِذ يستسلم الحزبُ لبنيتِه الطائفية، ويصطفُّ بالسلاح والرجال عوناً لنظام الاحتلال السوري وشبيحتِه في القتال في ريف القصير، بزعمٍ ركيكٍ يؤدي إلى تعظيم الشقاق السني الشيعي. وحين يسوق السيد حسن نصر الله حمايةَ 30 ألف لبناني (العدد ليس دقيقاً)، قال إنهم يقيمون هناك، ذريعةً لذلك، فإِنه يستخفُّ ببديهية أَنَّ نظام الممانعة الجسور مسؤولٌ عن حماية من يقيم على أَراضيه. وجاءَ مثيراً للإشفاق أَنْ يعمد نصر الله إِلى توزيع أولئك اللبنانيين سنةً وشيعةً ومسيحيين، فيما هم من الطائفة الشيعية، ما يعني قلة حيلتِه في التعميةِ على وجهٍ طائفيٍّ صار يتعزَّز للحزب الذي محضه العربُ مطرحاً دافئاً في قلوبهم، لبطولاتِه الباهرة في مواجهة إِسرائيل. وأَنْ يُشهر نصر الله أَنَّ عناصر من حزبه يدافعون، حالياً، عن مقام السيدة زينب في دمشق، فذلك يعني أَنَّ المذهبية صارت تتقدَّم على ما عداها، لدى الحزب في لحظته الراهنة، وباتت أَكثر انكشافاً، سيما وأَنَّ نصر الله لم يجهر بكلمةٍ بشأن 740 مسجداً استهدفها جيش بشار الأَسد.
محزنٌ من سيد المقاومة أَن لا يعثر متابعُ خطاباته على إِشارة إِلى الشعب السوري، ناهيك عن حقوق هذا الشعب في التحرّر من الاستبداد والقهر ونظام التوريث الفاسد. ومحزنٌ أَنْ لا يرى سماحتُه سوريا مجرد ساحةٍ وموقعٍ ودور، من دون إِتيانٍ على ساكنة هذا البلد، وتطلعهم إلى الخلاص من بشار، كما تخفَّف إِخوتهم المصريون والليبيون واليمنيون والتونسيون من مبارك والقذافي وصالح وبن علي. وعجيبٌ من السيد أَنه، من دون حرج، يقول إِنَّ أَصدقاءَ لسوريا لن يسمحوا أَنْ تسقط في أَيدي الأَميركيين والإسرائيليين والجماعات التكفيرية، في اتهامٍ للشعب السوري وثوارِه ومجاهديه بالخيانة. وما يحسنُ أن يعلمه صاحبنا، هنا، أَن هذا الشعب هو الذي لن يسمحَ لبلدِه أَنْ يسقط في أيدي أولئك، وهو الذي وجّه بوصلة سوريا إِلى العداء لإسرائيل، وآوى الفلسطينيين، وساند كفاحهم، فيما آلاف المناضلين منهم استضيفوا أَسرى ومختطفين في سجون حافظ الأسد ونجله، واللذيْن يحتاج المرءُ إِلى أَرطالٍ من البلاهة ليُصدّق انتسابَهما إِلى المقاومة، والدفاع عن فلسطين والأمة العربية. ونظنُّها سمجةً نكتة أَنَّ دور سوريا الأسد في الصراع العربي الإسرائيلي سبب المؤامرة الحالية عليها، فالدور البيّن هو سلامة الحدود الفلسطينية السورية، واستخدام فلسطين في افتتاحيات “تشرين”، ومثيلاتها، في التوظيفات إِياها، أَخذاً بمأثرة رفعت الأَسد، إِبان كان موعودا بوراثة السلطة، في نصيحتِه كتائبياً لبنانياً عتيداً، في سنوات الصحبة إياها،: تحدَّث عن فلسطين كثيراً وانصب المشانق
.
وعجيبٌ أَن يُطنب نصر الله في حديثٍ عن فتنةٍ مذهبية، ويوحي أَنَّ دولاً ومراجع سنيّة تعمل عليها، ما يُوهم أَنَّ إِيران والملتحقين بها في العراق ولبنان (وغيرهما) ملائكةٌ. ونحسبُ أَن الطفحَ الطائفيَّ في احتفاء إِعلام حزب الله، بغزارة، ب “الثورة” في البحرين، مع كلامه الوفير عن “المؤامرة” في سوريا، من أَعراض حالة الانتحار التي يمضي إِليها الحزبُ بهمةٍ، ويوقظ في أَثنائها عصبياتٍ مذهبية، في تعاميه عن مقتل 70 أَلف من الشعب السوري الأسير، مع انقطاعه للدفاع عن ضريحٍ في دمشق، ومشاركتِه شبيحةً القتال في القصير، وهذا كله لمنع الفتنة | ، على ما كان مؤسفاً في كلام نصر الله.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة محمود الزيودي جريدة الدستور
|