لم تعد الأَولوية في النقاش بشأن إِزاحة محمد مرسي عن الرئاسة في مصر، تعيين ما إِذا تمت بانقلابٍ عسكري، أو بثورة شعبية، فقد صار أَجدى البحث عن مصر نفسِها، وقد صار العقل فيها منقوصاً إِلى حد الفداحة، ما يجعل مصر التي بتْنا نرى غير التي نعرف، وغير التي منّا ولنا، والتي نحن منها ولها. وأَنْ لا يفلح مرسي في عام رئاسته، فيعمل ملايين المصريين، في مسيراتٍ واحتجاجاتٍ واعتصاماتٍ ومظاهرات، على إِطاحته، فذلك من طبيعيِّ الأمور وعاديّها، بل ومبشِّرٌ، باعتباره دلالةَ طاقةٍ ثوريةٍ وحيويةٍ يقظةٍ لدى الشعب المصري، الصبور والبديع. ولمّا كان متوقعاً أَنْ لا يُكمل مرسي ولايته، وشكَّك كاتب هذه السطور قبل تسعة شهور، في هذا المطرح في “الدستور”، بذلك، في مقالة عنوانها “هل يكمل مرسي ولايته؟”، فقد كان المشتهى أَنْ ينصرفَ الرجل، والذي توازى فشله مع إِفشاله، عن الرئاسة بإِرادةٍ شعبيةٍ خالصة. وإِذا جاز التسليم بدورٍ للجيش في هذا الأمر، وإِنْ بكيفيةٍ تفيضُ الانقلابية عن ثوريّةٍ جماهيريةٍ فيها، فذلك كله، وغيره، لا يجعلنا نهضم الجنونَ الفالت الذي نشط، بعد ساعةٍ من إِلقاء الفريق أَول عبد الفتاح السيسي بيان الثالث من تموز الجاري، بتجريد حملةِ اعتقالاتٍ واسعة، لا نصدِّق أَنها تمت بالقانون ومقتضياته.
احتجاز محمد مرسي في خطفٍ معلن، ثم تزبيط لائحة اتهامات ضده، شاعت في آخر أَسابيعه في الرئاسة، وتالياً، ترجيح نقله إِلى سجن طره، بحسب وزير الداخلية الذي لم يجد حرجاً في الزعم إِنَّ الشرطة المصرية، في تاريخها، لم تطلق رصاصةً ضد متظاهر. يؤكدُ ذلك كله، وغيره، أَنَّ تدبيراً تم تصنيعُه ضد الرئيس، كان موصولاً بافتعال مشكلتي انقطاع الكهرباء المتكرر وقلة الوقود في السوق، وأَنَّ أَجهزةً مخابراتيةً وأَمنيةً اشتغلت جيداً للتمهيد لخطوة الفريق السيسي، والتي نكون سُذَّجا ًأن نصدّق أَنَّ واشنطن فوجئت بها. وأَنْ تذيع شاشاتٌ مصريةٌ أَنَّ مسيرةً في ميلانو تناصر مرسي تمَّت، أَول من أَمس، بترتيبٍ من حزب الله وحركة حماس (
| )، فذلك يُؤشر إِلى أَنَّه لم تعد ثمّة قيعان لمقادير الجنون في أَداءِ قطاعٍ عريضٍ من الإعلام المصري، الخاص والحكومي، بدليل خطاب الكراهية المريع، والذي اشتدَّ في تلفزاته وجرائده، ضد”الإخوان المسلمين”، بتشنيعٍ يُسوِّغ أن ندعو مذيعيه ومعدّيه وكتبته إِلى أَن يطلبوا استبدال الشعب المصري بشعبٍ آخر، طالما أَنَّ الإخوان المسلمين شياطينُ إِلى هذا المدى، وفي الوقت نفسه، ينجحون في استفتاءَين على مشروع دستورِ وتعديلٍ دستوري، وفي انتخابات الرئاسة ومجلسي الشعب والشورى.
وعجيبٌ من السلطة الراهنة في مصر، ومن الكتائب الإعلامية التي تواكبها بالتقديس والمديح المجاني، قلة الحساسية لديها بشأن القتل الذي زاد ضحاياه عن ثلاثمائة في أَيام معدودة، سيما في مذبحتين سافرتين، أَمام مقر الحرس الجمهوري وفي ضاحية نصر. ومؤسفةٌ قلةُ الثقة لدينا بتحقيقاتٍ ستجري،قيل إِنها ستكشف القتلة، لأَنَّ الأَجهزةَ النافذة إِياها ليست من الغباءِ لتسوقَ هذه التحقيقات إِلى إِشهار الفعلة، إِياهم أَيضاً. وليس منسياً أَنَّ مقترفي موقعة الجمل ما زالوا مجهولين، بعد تبرئة القضاءِ من اتُّهموا بها. هذه العجائبُ، ومعها طلب الجيش والشرطة من الشعب تفويضاً للتحرك ضد الإرهاب( | ؟)، ونكتة اتهام مرسي بالتخابر مع “حماس”، وكثيراتٌ غيرها، تضطرُّنا إِلى البحث عن أُمّنا مصر، وهي منّا ولنا،غصباً عن كارهينا فيها.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة محمود الزيودي جريدة الدستور
|