ترى هل كنا نعاني شح الأمطار والعطش وقحط المراعي والزروع منذ مئات السنين حتى أن ابن زيدون يبدأ موشحته الشهيرة يرجو الغيث لدياره في الأندلس:.
جادك الغيث اذا الغيث همى.
يا زمان الوصل في الاندلس.
لم يكن وصـلك الا حـلما.
في الكرى او خلسة المختلس.
وهي بلاد تهطل الأمطار فيها طوال فصل الشتاء وبعض باقي فصول السنة؟...
ويصف شاعر الاردن مصطفى وهبي التل (عرار) احتفال وادي الشتاء وخمائله بنزول المطر قائلا:
يا بنت وادي الشتا هشت خـمائله
لعارض هـل من وسمي مبدار
وثغـرة الزعـتري افتـر مبسمها
عن لون خدك اذ تغزوه انظاري
وسهل اربد قد جاشــت غواربه
بكل اخـاذ من كل عشب ونوار
ان الشماليخ في حصن الصريح لقد
حالت الى عسل يا بنت فاشتاري
دعي المدينة لا يخدعك باطــلها
فزيفهـا بيـن غيـر مـنظار
ما بعد خبيز وادينا و خبـــزته
وبـض عــكوبنا مير لممتار
وليس ثمــة فــرق بشرعتـنا
ما بـين راعي سحاحير وسحار
خداك يا بنت من دحنون ديرتنا
سبحانه بارئ الاردن من باري.
ونجد عشرات الشعراء البدو لا يملّون ترداد وصف الأمطار في ديارهم والدعاء لأحبتهم البعيدين بأن يرزقهم الله بالمطر:
يا مزنه غرا أمــن الوسم مبدار
بــرقة جذبني كل حينا رفيفه
ترعى بها شقحا من الذود معطار
عقب الهزل تغدي ردوما امنيفة
فمن وصف الإبل السمينة في مراعي الربيع بعد هطول المطر بحيث ترتفع سنامها منيفة من الشحم إلى وصف الفطرالزبيدي والكما في مكان آخر ليغدو مثل رؤوس الأمهار وتصبح الأعشاب مثل جدائل الرجال الذين كانوا يختالون بطول شعر رؤوسهم:
المزنه الغرا بروقهــا رفاريف
تمطر على الظفرة مطرها انهشامي
زبيديها روس المـهار المشاعيف
وعشبها قــرون مسيحين الادامي
منذ عشرات السنين إن لم تكن المئات تتردد على ألسنتنا تلك المفردة التي ننعي بها أو نتذكّر لحظة مفرحة أو أيامآ جميلة بقولنا (سقالله هذاك اليوم).. وهي حاضرة لا تغيب في زماننا هذا.. فيما مضى لم نكن نكتفي بصلاة الإستسقاء خلف الإمام.. كنا نجتمع بعد الغروب دونما دعوة مسبقة.. نستعير عباءات أباءنا وأمهاتنا .. نتلفع بها خليطآ من الأولاد والبنات ندور في أزقة القرية وننشد:.
يالله غيثك ياربي
تروي زريعنا الغربي
يالله غيثك يا دايم
تروي زريعنا النايم
نتلقى بعض الحلوى ورشات الملح والطحين من ربات البيوت اللواتي يشاركننا الدعاء.. وتتحمس إحداهن بزغرودة عالية يتردد صداها في باقي بيوت القرية ويتفرّق جمعنا مع أول رذاذ من المطر يداعب وجوهنا ونسهر ليلتنا نستمع إلى خبط الرعود هنا وهناك.. يطلع الصباح ولا تطلع الشمس التي حجبتها الغيوم وقد إمتلأ بئر الدار من مزاريب السطح.. ونعود نردد يالله غيثك ياربي.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة محمود الزيودي جريدة الدستور