أوصى أعرابي ابنته التي ستتزوج خارج القبيلة. أن أطيب الطيب الماء. وهو يقصد نظافة الجسم بدلا من رشه بالعطور التي يمكن ان تبدل رائحته.. كان الماء عزيزا في البوادي والصحارى العربية.. انتجع أجدادنا مساقط الأمطار واختلفوا على الغدران وبرك الماء الى حد القتال. وبلغت الحيلة من صعاليكهم انهم كانوا يدفنون الماء في بيض النعام الفارغ داخل الرمال ويضعون فوقه علامة يعرفونها وحدهم.. ينهبون جمالا وخيلا ثم يغوصون في الصحراء.. لا احد يقدر على ملاحقتهم خوفا من العطش.. اما الشنفرى وسليك بن السلكة فامامهما مئة بيضة نعام مملوءة بالماء تحت رمال القفراء.. يشربان ويواصلان الحركة بغنيمتهما.

في زمننا هذا تتسع خزانات الماء في منازلنا كمية تعادل ملء الف بيضة نعام.. تتجدد يوميا في الشتاء واسبوعيا في الصيف بسبب الأزمة التي تفرض على شركة المياه ان تضخ الى الأحياء بالتناوب وحسب جدول يعلن عنه مسبقا كل صيف.

نحن نستهلك اطيب الطيب الذي جعل منه الخالق سبحانه وتعالى كل شيء حي.. نستهلكة بلهفة الفجعان حتى اننا ندلق في حمام المنزل ملء قشور عشرين بيضة نعام كلما دخلناها. ولو علم بها الأعرابي او الشنفرى لفغر فاه دهشة.. نستحم مرة او مرتين في اليوم.. نستهلك الماء في الغسالة ومجلى المطبخ والحديقة - اذا وجدت - .. نضرب الماسورة في الخلاء بين القرى لينفجر الماء ونسقي اغنامنا ونشرب.. كلما سدوا الثقب نفتحه في مكان آخر.. اذا حفرنا بجانب الشارع ينبثق الماء من الماسورة اياها.. كسرناها لانّنا لا نعرف مكانها.. واحيانا نعرفه فليس ارخص من غسيل سياراتنا بماء مجاني من الشارع.

مع كل هذا الهدر نحن نشتري كل عام عطورا اجنبية بمبلغ ثلاثين مليون دينار.. مليون زجاجة عطر اصلية من الوكيل.. تضاف لها ملايين العبوات الصغيرة التي يركبها ويخلطها العطارون لذوي الدخل المحدود ومن هم تحت خط الفقر.. الذين درسوا هذه الظاهرة استنتجوا ان الأمر عائد الى تغيير الأنماط الحياتية للأردنيين.. هي لا شك انماط استهلاكية لأن عدد الخطوط والأجهزة الهاتفية النقالة او الخلوية يفوق عدد السكان.. فحفيدتي جود التي تبدأ عامها الثاني هذه الأيام.. تتسلى وتلعب بهاتفين نقالين استعدادا لاقتناء مثلهما عندما تكبر.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   محمود الزيودي   جريدة الدستور