ذات حين في امريكا ام الفرص والعجائب ذهب احد المهاجرين من افقر بلدان العالم الثالث الى قاعة البلدية ليحلف اليمين بعد قبوله مواطنا أمريكيا بما يسمى البطاقة الخضراء التي تعتبر مفتاحا للعيش في بلاد الفرص كما يصفونها. عاد الرجل الى منزله فرحا بالفرصة التي شقي لأجلها وهو يركض في اروقة دائرة الهجرة ليجد امامه فرحا آخر.. فقد ربحت بطاقة اليانصيب التي اشتراها قبل حلف اليمين مبلغا يزيد عن مليون دولار حلّت جميع مشاكله ومشاكل عائلته التي كانت تجد خبزها كفاف يومها.. وكان تعليق الصحافة والإعلام أن هذه بلاد الفرص والحظوظ. فمن بين بعض الملايين الذين يأكلون من حاويات القمامة ويفترشون الكرتون ويلتحفون الجرائد على الأرصفة يضرب الحظ مع أحدهم فيصبح أثرى من الذين يستجديهم خمسة سنتات.
في بلادنا ونحن نقلّد الآخر لاهثين خلف الثراء تصبح الفرص من نصيب شركات عملاقة وكبيرة وصغيرة لجني الأرباح الهائلة من جيوب الفقراء الحالمين بالثروة وهم يصارعون الزمن لتأمين الكفاف في رمضان.
مؤسسة بث فضائي تتيح الفرص لخلق الله أن يربحوا الأموال والسيارات.. إلخ... يتهافت الفقراء على الاتصال من أول الشهر الكريم إلى منتصفه لعلهم يحظون بفرصة الاتصال بالبرنامج والمشاركة في المسابقة كما يذكرون في حديثهم مع المذيع حينما حالفهم الحظ ودخلوا المسابقة.. يكلف الاتصال الواحد لأغراض الدخول في المسابقة حوالي دولار واحد. وفي مسابقات أخرى (لجذب المشاركين) اقل من هذا الرقم. ولأن التهافت على الثروه يقاس بملايين الطامحين الطامعين من الفقراء فقدّرت مع أحد الأصدقاء من جهابذة علم الرياضيات ان هناك مليون محاولة اتصال يوميا.. صديقي رفع العدد إلى مليونين وهو يرصد مشاركين من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر (الوصف للإعلامي المرحوم أحمد سعيد الذي بشرنا برمي اليهود في البحر عام 1967).. اتفقت مع صديقي على مليون ونصف.. وقدرنا كلفة الاتصال بثلاثة ارباع الدولار حسب أسعار العملة العربيّة مقابل الدولار.. استبعدنا اليورو الأوروبي والين الياباني بسبب الصعود والهبوط بين يوم وآخر... وجدنا أن ما يرد إلى صندوق المحطة كل يوم يصل إلى حوالي مليون دولار بعد أن حسمنا عمولة شركات الإتصالات العربيّة التي تؤمًّن المكالمة بين المشترك والمحطة. وهو رقم فلكي يتناقص في محاولات شركات أخرى تسعى لنفس الغاية بعرضها فرص الربح على الفقراء عبر شاشات الفضائيات وشاشات الهواتف الخلويّة بالعبارة الشهيرة.. شارك واربح.
لم نجد في بث الشركات الرابحة للملايين برنامجا واحدا يحض على قيم العمل والقناعة.. ووجدنا أن الإعلانات عن الزكاه وجمعيات رعاية الفقراء والمرضى تظهر مثل نقطة في بحر البضائع والأطعمة الاستهلاكيّة التي تصيب الفقراء بمرض الفصام بين الشاشة التي دخلت كل بيت وبين الحال المائل لأسرة فقيرة.. أليس في الأمر سحر؟.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة محمود الزيودي جريدة الدستور