من الصعب فهم مبادرة الراهب الأمريكي تيري جونز لحرق نسخة من القرآن الكريم بمناسبة أحداث الحادي عشر من أيلول التي فجّرت حربين تواجههما الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان ، دون التفكير بيد خفية لتنظيم يسعى لإشعال حرب الكراهية ضد الاسلام من جديد. إذا ربطنا الأحداث بالتزامن مع منح المستشارة الألمانية انجيلا ميركل جائزة تقدير لرسام الكاريكاتير الدانمركي كورت فستر غارد الذي نشر رسوما ساخرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد خمسة أعوام من نشر تلك الرسوم.. بحجة حرية الرأي وحرية الصحافة.

لهذه اليد الخفية علاقة بتغييب أربعمائة يهودي (اغلبهم من سكان ولاية نيوجيرزي المجاورة لمدينة نيويورك) عن العمل في مركز التجارة العالمي يوم هدمه بالطائرات.. هناك من يعرف عن الهجوم على العمارتين التوأم ولم يحذر الحكومة الأمريكية.. فقط حذر اليهود العاملين فيهما من مبدأ الحفاظ على النفس اليهودية.. أما بقية الأعراق والديانات من نفوس الأغيار فليذهبوا إلى الجحيم بالحرق والخنق تحت الردم. وليهبط وحي خاص (انتزع نفسه من الكتاب المقدس) على جورج بوش الأبن ليبدأ حربا في أفغانستان وأخرى في العراق لم تزل تحصد الأرواح من الطرفين.

عندما بدأ الرئيس باراك اوباما ترميم العلاقات مع العالم الإسلامي. ووافق على بناء مسجد قرب مكان مركز التجارة وبدأ يحث الأفغان على الحوار مع طالبان التي تحتضن محاربي القاعدة.. وسحب قسما كبيرا من الجيش الأمريكي من العراق. ورأى في مصلحة الولايات المتحدة محاورة إيران على برنامجها النووي بدلا من إشعال الجزيرة العربية وبلاد الشام بحرب تأكل الأخضر واليابس.. بدأت اليد الخفية بالتحرك لإشعال الفتنة من جديد بين الغرب والأسلام.. ولم تكن المؤسسة الدينية في إسرائيل بعيدة عن تلك الحركة. فقد دعا زعيمها الروحي والسياسي عوفاديا يوسف لقتل المسلمين والعرب وإبادتهم من على وجه البسيطة قبل أيام من إعلان كنسية مركز الحمام في جاينسفيل - فلوريدا بحرق المصحف وقبل أيام من إعلان جائزة الصحافة على منحها للرسام الدانمركي الذي أمضى خمسة أعوام تحت الحراسة خوفا من اغتياله.. كان الرجل رساما غير ذائع الصيت كما هو حال سلمان رشدي الذي أصبح مشهورا بين ليلة وضحاها بسبب فتوى بقتله بعد نشره كتاب آيات شيطانية. وتهافت الناس على شراء كتبه غير المعروفة قبل الفتوى حيث ترجمت إلى أكثر من لغة.

لا يستطيع علماء الدين المسلمون من الدعاة ورجال الإفتاء أن يجاروا هوس الجنون لدى بعض المسيحيين واليهود في أمريكا واوروبا وإسرائيل لأن المسلمين يحترمون أنبياء اليهودية والمسيحية عملا بنصوص القرآن الكريم التي هي أساس ديانتهم. ولا يذكرونهم إلا بالتبجيل والصلاة والسلام عليهم. وكانوا يحمون أقلياتهم في الدول العربية الإسلامية عملا بالسنة النبوية الشريفة.. في حين تعرض اليهود للسجن الجماعي على يد مسيحيي أوروبا.

حتى كتابة هذه السطور سارع الرسميون في أمريكا وأوروبا مع الفاتيكان ورعاياه الكنسية إلى استنكار حرق المصحف ولم نسمع أو نقرأ توجها من هذا القبيل لدى الدولة العبرية أو احد حاخاماتها الذين حافظ المسلمون على أرواح أجدادهم وحرية عبادتهم. واسرائيل مقبلة على مباحثات مباشرة مع الفلسطينيين ربما تؤدي الى سلام مع بقية العالم العربي والاسلامي.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   محمود الزيودي   جريدة الدستور