سألني المغترب الأردني في الولايات المتحدة . سمير حداد . في تعليقاته المستمرة على هذه الزاوية عن بعض أبيات من قصيدة الشاعر الشعبي الأردني محمد ابن غدير في هائيتّه الشهيرة التي شاعت في بلاد الشام والجزيرة العربية (زمنها) ولا بد أن سمير سمع بعض أبياتها في مضافات أهله بالبلقاء أو عجلون ورسخت في ذهنه عندما كان يافعا ينهل العلم من المجالس قبل المدارس .

محمد ابن غدير الخلايلة من قبيلة بني حسن وقد عاش حتى العشرينيات من القرن الماضي . فقد ذكره رواة (ملامح الحياة الشعبية في مدينة عمان للراحل الدكتور عبدالله رشيد ) زائرا لمضافات المفتي والبلبيسي وميرزا وآل خير والنابلسي وعصفور والقيسي والشربجي والكردي والطباع في عمان . يمتّع زوارها بأشعاره وحكاياته عن غربته وأشعاره في أحداث ذلك الزمن . ففي ذلك الزمن . لم يكن في عمان فنادق . أقامت عائلات عمان الكبيرة مضافات لاستقبال الزوار والمسافرين والمتسوقين في القرية التي أصبحت عاصمة المملكة وأصبحت نصف البلقاء في حدود أمانتها الكبرى . وقد أنفقوا على إيواء الزوار وإطعامهم وشرابهم . وكانت الفرصة سانحة لأي زائر لعمان أن يقيم في إحدى تلك المضافات . ويوازيها منازل بعض العشائر التي تستضيف الناس كعادة الأردنيين . مثل بيوت قبائل البلقاء المحيطة بعمان . حديد . حنيطيين . دعجة . بالإضافة الى بيت صالح العقرباوي المشهور بكريم الجيش .

ابتلي محمد ابن غدير بقتل أحد أقاربه فجلا جلوة إلى قبيلة الزبن من قبائل بني صخر واحتمى بشيخها طراد الزبن كما في قصيدته :

مع وسطكم نمشي بطربات الاسعــــاد

و مع غيركم نقصر من الحبل طيــــــــــــة

النفس جازت عن جيرة الزبن وطـــراد

ع شوف القرايب مثل عطشانة الميّة

وليس صحيحا أن سبب جلوته جرح ابن عمه ولم يقتله كما ورد في بعض الروايات الحديثة عن الجيل الرابع او الخامس من رواة الأحداث والأشعار . حيث يستشهد الراوي بقوله :

منّي تبرّوا عزوتي وصلفهم باد ...... وبادن بيديّ مانعات الارشيّة حيث ان الارش هو ما يدفع للتعويض عن الجرح ، اما التعويض عن القتل فيسمى بالدية ( انتهى ). فالارشية بلهجة الاردنيين القديمة والبدو عامة هي جمع إرشاء . وهو حبل الدلو الذي ينشلون به الماء من البئر . كما أن الجرح لا يستدعي من فاعله الجلوة إلى قبيلة اخرى خارج قبيلته الكبيرة . وعادة ما يؤدي الى ابتعاد الفاعل وأقاربه نحو إحدى عشائر القبيلة الكبيرة (بني حسن مثلا . أو احدى قبائل البلقاء ) ونستدل على خطأ الشاعر بقتل أحد أقاربه في حادثة لم تصلنا تفاصيلها . الى طول مدة جلوته عند الزبن :

والله والله ثـم والله بالأشهــــــــــــــاد

وحق الرسول وحق رب البريـــــــــــــة

اني علـيل ولا تهـنـيت بوســــــــــــاد

و لي علّة بأقصى الظماير خفيــــّـــــــــة

بعد القرايب نقّص من العمر مـــا زاد

وشوفي لربعي مثل عيد الضحيـــــــــــــة

يا رب لا تمـيـتني بيـن الاجنـــاب

غـير القرايب واقـفين علـيـــــــــــــــة

ويظهر من هائيّة ابن غدير أن قبيلة الزبن كانت تنزل حول القسطل إبّان جلوته في مضاربها .. وقد وثقت الأشعار الشعبية كثيرا من تواريخ وتفاصيل بعض الأحداث التي لم يأتً عليها التاريخ الرسمي المكتوب :

ثور من القسطل سريع بالافــــــــــداد

عجل الخطا متنحّر صوب نيــــــــّــــــــة

نضو بشوق اللـي مع الـــــــــدو وداد

يقطع بعيد البلـد لو هي خليــــــّــــــــــة

وللحديث بقيّة


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   محمود الزيودي   جريدة الدستور