يعتبر ابداع الشاعر محمد بن احمد السديري علامة فارقة في أفق الجزيرة العربية في مطلع القرن العشرين.

فبالرغم من انشغاله بالوظيفة الرسمية منذ التاسعة عشرة من عمره، اميرا للجوف ثم جيزان، ثم قائدا للفدائيين السعوديين في حرب فلسطين ومحافظا لخط التابلاين الذي ينقل البترول السعودي من المنطقة الشرقية الى ميناء صيدا على البحر الابيض المتوسط، ثم امارة جيزان وقيادة الجيش في المنطقة الشمالية، فقد أبدع اشعارا متميزة ملأت أكثر من كتاب في اكثر من ديوان شعري صدرت خلال حياته (1919– 1977) وبعد وفاته، فقد قام ابنه زيد بطباعة اعماله الكاملة مع سيرته الذاتية في كتاب واحد تفضل بإهدائي نسخة منه.

بالرغم من انشغاله بالوظيفة التي تستدعي جهدا ومشقة في بداية تأسيس المملكة العربية السعودية التي كانت تمر بحالة تحوّل اجتماعي واقتصادي وتعاني بواديها من بقية غزو قبلي، فإن قصيدته التالية تدل على فلسفة خاصة وفكر متميز لرجل درس الابتدائية على يد شيخ الكتاب ثم احترف العمل الذي لا يخلو من مصاعب.

يقول من عدا على راس عالي

رجم طويل ما يدهله كل قرناس

في راس مرجوم عسير المنالي

تلعب به الارياح مع كل نسناس

في مهمة قفر من الناس خالي

يشتاق له من حس بالقلب هوجاس.

فهو يعتمد تقليد الشعراء البدو الذين يصعدون الى المرتفعات التي لا يصعدها كل فارس يشبه الصقر (قرناس).. والبدو يسمون تلك الاماكن بالمشراف.. فهو المكان العالي الذي يشرف على أماكن كثيرة من حول من صعده.. فقبل عشرات السنين من مولد السديري نجد أحد شعراء البدو العشاق يصف مضارب قبيلة محبوبته قرب بلدة السلمية في سوريا:

أشرفت المشراف ربي يخونه

ون الفريج المجابلين سلميا

أوصي الجهال لا يشرفونه

أهل القلوب اللي على الحب ظميا

حبيبي بالوصف ما يعرفونه

ما يعرفونه الا الناس الفهميا

السكر الجرع مفرق سنونه

ماكول الحكام زين الطعميا.

يوصي الشاعر أقرانه من الشباب العاشقين عدم صعود ذلك المرتفع لانه يهيّج أحزانهم لفراقهم أحبتهم وقلوبهم تحمل لوعة تشبه لوعة العطش.. ولكن السديري صعد ذلك المشراف للتفكير في هموم دنياه في ذلك الوقت.. فهو عاجز عن فهم ذلك التقلّب في تلك الحياة التي تفرق بين غالي وغالي.. وبين ربح لا يدوم طويلا ويؤول صاحبه للافلاس.. ويعتقد ان المرتاح فيها هو من لا يملك عقلا يفكر به كما هو حال الشاعر الذي يعاني من هموم كثيرة (مشكلات) عجز عن تدوينها بالقلم والقرطاس..

اخذت اعد ايامها والليالي

دنيا تقلب ما عرفنا لها قياس

كم فرقت ما بين غالي وغالي

لوشفت منها ربح ترجع للافلاس

يقطعك دنيا ما لها اول وتالي

لو اضحكت للغبن تقرع بالاجراس

المستريح اللي من العقل خالي

ما هو بلجات الهواجيس عطاس

ماهوب مثلي مشكلاته جلالي

ازريت اسجلهن بحبر وقرطاس.

وللحديث بقية.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   محمود الزيودي   جريدة الدستور