ترأس الشاعر محمد بن احمد السديري قوة من المجاهدين المتطوعين للحرب في فلسطين العام 1948 من قبائل قحطان وحرب والدواسر وعتيبة .. وقد وثق لنا وصفا لحالة الشعب الفلسطيني في ذلك الزمن في قصيدة طويلة تنوف على الاربعين بيتا اخترنا منها :

صخرة بالقدس تنخى الفاتحين

هلّت العبرات منها جاريات

اليتاما دمعه فوق الصدور

فاقدين أبوانهم والامهات

يصرخون بصرخة الحر الحزين

صرخة منها الجبال مجلجلات

صرخة أدما صداها للقلوب

عن نماهن أذهلت للمرضعات

صرخة من هولها جظ الحطيم

والمشاعر كلهن امزمجرات

يندبن العرب لأولى القبلتين

لطخة بالعار بيدين الجنات

فاقدين كل شيء بالوجود

والثكالا وسط يافا عاريات

العدو يسومهن سوم العذاب

من سبب ما صار والله باكيات

وهي ليست بجزالة أشعاره التي ألفها بعد أن ازداد اطلاعه وتطورت ملكته الابداعية .. فبالإضافة للوصف والرثاء والفخر نجده عاشقا متيما .. تسهر عينه الليالي الطويلة وتدمع نوحا على عشير تنعش الروح رؤيته . وهو يذكر المؤنث في الوصف كعادة الشعراء الشعبيين وشعراء الفصحى فبشار بن برد يقول :

بأبي شادن تعلق قلبي

بجفون فواتر اللحظ مرضى

والسديري يصف حاله مع محبوبته بقوله :

عيني لها عن لذة النوم ساموح

تسهر وعنها النوم تبعد شبوحه

كنّه يداويها المداوي بذرنوح

ودموع نون العين دايم يفوحه

على عشير شوفته تنعش الروح

تعلقت بالحب روحي بروحه

تشهد دموع العين مني على النوح

وتشهد على ونّات قلبي جروحه

اصبر وانا مالي من الصبر مصلوح

والعي ملاعي الورق وانوح نوحه

ورغم انشغاله بوظائف مهمة تستدعي العمل الدائم وتربيته لاثني عشر ولدا من ابنائه نجده قد ألف كتابا عن الشعراء الفرسان بعنوان ابطال من الصحراء . في مئتي صفحة يؤرخ فيه لحياة واشعار خمسة من فحول شعراء الجزيرة العربية وفرسانها وهم: سعدون العواجي .. ساجر الرفدي .. شالح بن هدلان .. خلف الاذن الشعلان .. ووصف معاركهم في الغزوات القبلية القديمة وبعضها حدثت على ارض الاردن .. وقد تقوّل بعض النقاد ان الكتاب من تأليف عبدالله ابن خميس الذي قدم له . لكننا نجزم انه من تأليف السديري الذي اتاحت له أقامته في الجوف وبناء ثلاث مدن حولها ان يستمع من الرواة لأشعار اولئك الشعراء وقصص بطولاتهم في الغزو .. ومنتجع قبائلهم .. فقد وجدناه امينا في تدوين الاشعار كما قيلت دون التحريف الذي يطال المادة المروية على ألسنة الرواة والمسافرين .. ولا يغيب عن بالنا ان الاشعار البدوية وثّقت تاريخا أهمله بعض المؤرخين الذين كتبوا تحت رعاية السلاطين وليس تحت رعاية ضمائرهم .


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   محمود الزيودي   جريدة الدستور