هل الفنانون العرب على حق في صمتهم وادارة ظهورهم لما يجري خلف نوافذ بيوتهم وفي الطرقات التي يسلكونها الى مكان عملهم من احتجاجات تطالب بالتغيير او اسقاط الانظمة ؟ من يقرأ عن القوائم السوداء التي أعدها المتظاهرون ووضعوا فيها اسماء الفنانين الذين ساندوا الحاكم والنظام وتغنّوا بعدله وديمقراطيته .. لا شك انه لا يحسد هذه الشخصيات العامة على حالها الذي يجابه الشعار الدكتاتوري القديم ( اذا لم تكن معي فأنت ضدي ) .. اعتمدت أغلب ثورات الربيع العربي على اللسان والحنجرة في الاحتجاج بالاضافة الى ما تنتجه طابعات الكمبيوتر من يافطات ملونة مطبوع عليها بخط جميل مطالب المحتجين .. افرزت الثورات ومظاهرات الاحتجاج اصواتا جديدة من الشعراء والمطربين الذين استلهموا مطالب الثوار في اشعارهم وأغانيهم . والبعض وجدها فرصة للاستفادة من النظام القائم بمدحه والتهليل له ... اصبحت بعض هذه الاشعار والاغاني تتردد في الشوارع العربية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي مكتوبة او مغنّاة .. انتبه فريق السلطة وفريق المطالبين بالتغيير والاصلاح الى خطورة هذه الأصوات التي بدت أخطر من الحجارة والرصاص على كل فريق .. تتبعوا نجومها المعروفين ( لسوء حظّهم ) وقبض رجال احزاب اللقاء المشترك على الاول في اليمن .. وهو الشاعر وليد الرميشي الذي قاده سوء الطالع لانشاد قصيدة عصماء تبجّل الرئيس علي عبدالله صالح وتهاجم معارضيه من رجال الاحزاب والقبائل وما يقومون به من أعمال تخريبية وارتكاب جرائم بحق الوطن حسب الانباء التي اوردتها الصحف الرسمية اليمنية .. تم استدراجه واختطافه ذات يوم اربعاء ( قبل جمعة الاعتصام الاسبوعي بيومين ) من شارع تعز بأمانة العاصمة صنعاء إلى أحد المنازل وقطعوا لسانه ( وهو ليس اول شاعر عربي يقطع او يسلّ لسانه ) واستقر به المقام في الاردن على امل ان يستعيد النطق .. واذا استعاده .. فلا اعتقد انه سيقول شعرا في الطرفين .. وربما يعتزل الشعر الى الابد ..
منكود الحظ الثاني مطرب غير معروف في حماه .. اشتهر وذاع صيته في المظاهرات والاحتجاجات .. فهو يؤلف الشعارات وينشدها مع المتظاهرين .. وفي بعض مفرداتها اسفاف الشارع العربي الذي لم نسمعه او نقرأه في شوارع الربيع العربي .. وحده سيف الاسلام بن معمر القذافي ردد مثل ذلك الاسفاف تجاه العرب في احد أحاديثه التلفزيونية .. منكود الحظ اسمه ابراهيم قاشوش اعتقل في حماة .. في البداية نزعوا حنجرته التي كان يصدح بها في المظاهرات ثم قتل والقي جثته في نهر العاصي .. وهو مع وليد الرميشي من ضحايا الفوضى التي اجتاحت شوارع ليبيا واليمن وسوريا .. اذا اضفنا لهم المحامية ايمان العبيدي .. وقد برزت اسماؤهم في وسائل الاعلام لبشاعة العقاب الذي تلقّوه . وهم بالاضافة الى حطب الثورات من القتلى والجرحى والسجناء واللاجئين يشكلون ظاهرة تذكرنا بأحداث الستينات والخمسينات من القرن الماضي .. وفي تلك الفترة لم يطلق الشعراء والفنانون العنان لحناجرهم الا بعد ان تأكدوا أنهم في الجانب الذي يحميهم .. ولعل الأحفاد لم يتعلموا الدرس من الأجداد الذين سلموا بألسنتهم وحناجرهم .
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة محمود الزيودي جريدة الدستور