دأب اغلب الممثلين الناجحين على قراءة النص الدرامي قبل الموافقة على تمثيل الشخصية .. الفنان المثقف الملتزم .. ونضيف القول .. الذي يحترم فنه ونفسه .. يتفحص النص بعين المشاهد الذي سيراه على المسرح او الشاشة .. في الأعمال التاريخية والسيرة الذاتية يبدأ الفنان ابحاثه ودراسته عن الزمن والأحداث الأصيلة في التاريخ ومكانها في النص .. البعض يراجع مع الكاتب والمخرج .. بعض الملتزمين يعتذرون عن نص ردئ واحداث درامية باهتة نزولا عند رغبة المنتج الذي يهمه الربح على حساب الجودة .. البعض يقبلون لأسباب مادية .. مثل ظروف العيش بسبب التفرغ للمهنة .. اوعدم الغياب عن الشاشة في الموسم .. لا يهمهم تزوير التاريخ وتزييفه بقدر مايهمهم ان يعملوا ويظهروا على الشاشة ..
اولهم المخرج الذي يوافق احيانا على العمل قبل ان يقرأ النص .. وتزداد مصيبتنا في هذا النوع من المبدعين عندما يقتصر افق معرفتهم على كلمات النص دون تمحيص بالدراسة والأبحاث والنقاش مع الكاتب لمعرفة المقصود بكل حركة وجملة .. بعد كل هذا يأتي دور الدراسات والأبحاث عن اللباس والأكسسوارات والديكور .. ومنها الصور الوثائقية للشخصيات والأماكن التي تدور فيها الأحداث .. في الجزء الأول من مسلسل الثورة العربية الكبرى الذي كتبته ولم ير النور بعد .. احتج احد قراء النص على مشاهد للسلطان عبدالحميد الثاني وهو يعمل في منجرة داخل القصر .. يصمم قطع الأثاث ويصنعها بين حين وآخر .. جلبت له الوثائق من مذكرات ابنة عبدالحميد الأميرة عائشة اوغلو .. حاول الاقتناع وهو يردد .. سلطان ونجار؟؟ ولكنه الخليفة ؟؟ ذكرته ان ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب كان يمارس التجارة وهو خليفة ليطعم اهل بيته من عرق جبينه حتى لا يمد يده لبيت المال .. المخرج يريد الانجاز السريع لارضاء المنتج .. يحتج المصور ومنفذ الاضاءة على الكوفيات البيضاء فوق رؤوس الممثلين .. فتصويرها يحتاج الى ضبط خاص للاضاءة .. يقرر المخرج الباس الممثلين كوفية سوداء للخروج من الأزمة .. الممثل يلبس الكوفية مطيعا وهو لا يعرف او هو يعرف ويسكت ان السواد على الرأس عار على العربي .. اقل شتيمة للآخر هي سوّد الله وجهه . . وهم يتوعدون بعضهم بالقول .. والله لاسوّد عيشتك .. وهم يقولون الليل اسود ورايه اسود .. اللون المضاد للأسود هو الأبيض .. يشكرون بعضهم بقولهم .. بيض الله وجهك .. فلان وجهه ابيض .. من العقوبات على الجرائم الأخلاقية في المجتمع القبلي العربي عقوبة على الفاعل بكساء بيت الضحية بالقماش الأبيض .. حمل رايات بيضاء بين القبائل لرفع شأن الضحية وتبرئته من التهمة التي اتهمه الفاعل بها زورا ..
وهناك رايات بيضاء للشكر .. ففي النصف الثاني من القرن الماضي تجوّل حاملوا رايات بيضاء في شوارع مادبا يشكرون اولاد زعل الكنيعان الفايز على معروفهم بالسماح عن السائق الذي دهس والدهم في بلدتهم منجا .. كان السائق قد لجأ الى منزل احد اولاد زعل بعد الحادث دون ان يعرف انه ابن الضحية .. وحظي بحماية كاملة حتى استلمته الشرطة . ورفض اولاد الضحية دفن والدهم قبل خروج السائق من التوقيف ... فالمرحوم زعل الكنيعان كان قد اسقط الحق الشخصي ( بصفته شيخ القبيلة ) عن اربعة عشر حادث دهس في بلدة منجا التي يتوسطها طريق مادبا القادم من عمان .. وبعد كل هذا ان المخرج ومصمم الملابس والممثل يزوّرون العادات والتقاليد التي تشكل الهوية الخاصة للمجتمع حتى يوفروا على انفسهم عناء ضبط الاضاءة والكاميرا ...
وللحديث بقية ...
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة محمود الزيودي جريدة الدستور