حينما عملت في الإذاعة عام 1975 كان توفيق النمري المربوع وهو وصف الاردنيين لقصير القامة ... كان كبيراً بحجم الإذاعة نفسها .. دائم الحركة ... لا يستقر في مكان ... يخاله المرء يتحرك على أنغام أكثر من سبعين أغنية من تأليفه وتلحينه وغنائه ... فهمت من بعض الزملاء انه يمارس أعمالا مختلفة في البيت . لا علاقة لها بالمهنة . ولعلها بعضا من إبداع الفنان المسكون بالقلق دائماً ... لاتستقر الفكرة في رأسه حتى يبدأ العمل على تنفيذها ... مازحته يوماً على كلمات أغنية ريفيّة وحاملة جرة تتمايل عالجنبين ... ليش ماهي بدوية ياابو صلاح ؟؟ اجابني وهويضحك ... ومن وين أجيب لبدويتك قربة ؟؟ هو ظلي قرب ميّه بالبلد ؟؟؟ ... من بيادر الحصن حمل عوده إلى المفرق ليعمل مأموراً للبريد ... يقضي امسياته مع اوئل المتنورين من العاملين في شركة بترول العراق ... يلحن ويغني لهم ولنفسه في بلدة ذات طابع بدوي على ابواب التغيير ..
فالاردنيون في ذلك الزمن شعب جاد اكثر من اللزوم .. الغناء والطرب عندهم .. خارج حدود الافراح التقليدية والمناسبات .. يعتبر سلوكا بعيدا عن ضوابط المجتمع .. الحال هذي كانت غالبة على جلّ ولاية الشام العثمانية التي كانت تضم سوريا ولبنان وفلسطين والاردن ... كانت الدولة متزمّته تجاه الثقافة والفنون .. المسرح ...الغناء ...الصحافة الحرةّ التي لا تسبّح ابتداء بحمد مولانا السلطان وصاحب العصمة الصدر الأعظم وانتهاء بكاتب الولاية في الشام الريف كما توصف في ذالك الحين
..ما اجبر كثيرا من المثقفين والفنانين على الرحيل الى مصر . مثل بشارة وسليم تقلا اللذين اسسا جريدة الأهرام. وجرجي زيدان ... اسس دار الهلال . ويعقوب صنّوع المبدع في المسرح . وفريد الاطرش واسمهان وفايزة احمد وعبدالسلام النابلسي وغيرهم الكثير...
يقطع توفيق النمري الشريعة ( نهر الاردن ) إلى إذاعة رام الله التي تركها الانتداب البريطاني المشؤوم على فلسطين بعد رحيله عنها ... ثم إلى عمان ... مع بداية الاذاعة الاردنية .. خمسة عقود من الزمن في عمان وعشرات الاغاني والألحان منها لوديع الصافي وسميرة توفيق ونصري شمس الدين ونجاة الصغيرة ... ولم نسمعه ينطق يوماً الاّ باللهجة الحصناويّة ... يتحدث اليك حتى تخاله قادماً من الحقل بعد يوم حصاد طويل ... يازلمة الكلمة هذي عوجا .. مابتيجي على الجرس الموسيقي لباقي الكلمات ... يتناول العود يعزف ويغني بيت الشعر اياه ليشعر الكاتب ان الكلمة عوجا فعلاً ويجب تغييرها ...
اكثر ما اهتم به توفيق النمري من فنون الموسيقى والغناء التي لم يدرسها اكاديمياً في كليات الفنون المنتشرة في الوطن العربي هو الاغنية الشعبية الاردنية اللي التقطها بأصالتها من افواه الرعاة والحصادين والحراثين .. بالاضافة لأغاني الحماسة الاردنية .. مثل الحداء والرويد والهجيني التي تغنى من قبل الرجال والنساء .. قام بتطويع الكلمة واللحن الذي يغنيه الناس تلقائياً ليصبح اغنيه تشد المستمع ولا تبرح ذاكرته.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة محمود الزيودي جريدة الدستور